حركة فتح ما بين انتصار الكرامة 68 والمراوحة في المكان 2017

9998336219.jpg
حجم الخط

 

عضو اللجنة المركزية لحركة فتح

ما أشبه اليوم بالأمس ففي العام 1967 كانت نكسة حزيران، وسقطت الضفة وسيناء والجولان بيد اسرائيل، واضطر زعيم الأمة عبد الناصر للتنحي والعودة الى صفوف الجماهير، فخرجت الجماهير وحالت دون ذلك، فقرر حرب الاستنزاف لأنه على درجة عالية من الكرامة والوطنية ومن على شاكلته لا يقبل بالهزيمة وانسجاما مع شعاره الخالد ما اخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة . وحينها ارسل إلى حركة فتح بدمشق رسالة فحواها : يا شباب الفتح هبوا وقاتلوا ولو بإشعال حرائق فان لم تفعلوا ذلك لن ترفع عليها أعلام عربية قط. فالتقط حادي مسيرتنا وقائد ثورتنا ياسر عرفات الاشارة وغادر فوراً الى الارض المحتلة قاطعاً الحدود السورية - الأردنية إلى الأغوار وكذلك قائد قوات العاصفة أبو صبري صيدم ومن هناك عبروا نهر الأردن إلى مهوى فؤادهم فلسطين التي تعاني من جراح الاحتلال وخيبات الهزيمة كان ذلك ايذاناً ببدء زحف المقاتلين إلى منطقة الأغوار على طريق الرواد والاستعداد لبدء احياء الذكرى الثالثة لانطلاقة "فتح" التي أضاءت سماء الامة بالرصاص الاحمر في الفاتح من يناير عام 1965.

كانت الجيوش العربية في حالة إعادة البناء بعد هزيمة حزيران، وكان الجيش العربي الاردني يغض الطرف عن عبور الفدائيين للقيام بعملياتهم الجريئة الى جانب المسح والاستطلاع لاستئناف المسيرة، وكان موشي دايان نجم المرحلة كجنرال منتصر في الحرب على الجيوش العربية، وكان يقول أجلس قرب الهاتف أنتظر الاتصال من العرب لتوقيع صكوك الاستسلام، وقد أعلن أن هناك فتح ولكنها كالبيضة بيده يحتاج الى شيء من الضغط لكسرها، وقد حضر لعملية عسكرية واسعة تحت شعار تطهير أوكار "المخربين" في الأغوار على حد زعمه، وإحضار قياداتهم في الشباك إطفاءً لأضوائهم الساطعة، لكنه خسر الجولة بفعل قرار الصمود للفدائيين خلافاً لقوانين حرب العصابات (إذا اقبل العدو اضرب وإذا أدبر أضرب) كان قرار الصمود والمشاركة بصنع النصر لانتمائنا لأمة مهزومة تحتاج إلى انتصار، وكان لإصرار القائد عرفات ورفاقه أن جسد وحدة الدم الفلسطيني- الأردني، ورد الاعتبار للعسكرية العربية وأعلن ميلاداً جديداً لحركة فتح، فإن كان الفاتح من يناير 65 انطلاقة كانت الكرامة 68 ميلادا، رافق ذلك إعلان سيد البلاد الملك الحسين المفدى (كلنا فدائيون) وما ردده الزعيم الخالد جمال عبد الناصر (أن فتح أنبل ظاهرة وجدت لتبقى) وما ادلى به ارنولد تويمبي المؤرخ البريطاني أن فتح لا ترسم خارطة فلسطين بل ترسم خارطة الشرق الاوسط.

وهنا أعادت فتح الامل للأمة وجسدت الشرعية الفلسطينية في اطار منظمة التحرير الفلسطينية وما إلى ذلك من انجازات لا يستهان بها، رغم الصعود والهبوط بقي السيف مشرعاً والبندقية تتقدم على غصن الزيتون، مع التأكيد للعالم أجمع ان هذا الشعب الفلسطيني شعب الجبارين لن يستسلم ولن يركع، وان اصغر جغرافيا تشغل صناع القرار في العالم، وان القضية الفلسطينية هي الرقم الصعب في معادلة الصراع في الشرق الأوسط، حين رفضت أمريكا منح عرفات الفيزا لدخول نيويورك لحضور دورة الجمعية العمومية للأمم المتحدة اضطروا إلى نقل دورة الأمم المتحدة إلى جنيف لضرورة حضور عرفات ويكون بهذا قد انتصر الرئيس عرفات بالتاريخ رغم الخسارة في الجغرافيا الحزينة.

مئات آلاف القنابل بمختلف أنواعها وأحجامها واجتياح إسرائيل للبنان وحصارها الشامل وتدمير ومذابح لمخيمات بيروت وبالأخص مذبحة صبرا وشاتيلا مع ارتفاع منسوب المعنويات والتمسك اكثر بالثوابت والقافلة في الاتجاه الصحيح، رغم الخروج من دول الطوق نهاية العام 1982، وتوزع القوات على الدول الشقيقة واستبداد الجغرافيا الكافرة، كل ذلك لم يثنِ من عزم " فتح " على مواصلة الهجوم واستمرار الأمل رغم حجم ووجع الألم الذي حل بشعبنا بفعل الهبوط المروع لحاضنتنا العربية .

أقول لإخواني بفتح وقد هبطنا إلى مستوى الشرعيات الدولية والهدنات العربية وتبدل الشعار من ثورة حتى النصر بثورة حتى القدس، وقمنا بكل ما يقنع العالم كله بأننا الضحية، وكلما تواضعنا وتوجهنا نحو السلام اكثر ازدادت اسرائيل تطرفاً وعدوانية بل وخلعت ثوب الدولة وارتدت ثوب العصابة بوصول المستوطنين إلى سدة الحكم، لم تترك إسرائيل طريقا إلا وسلكته للعبث بوحدتنا أولا وبمصادرة أرضنا وانتهاك حرمة مقدساتنا والعبث بأرواح شعبنا إلى أن وصلوا الى القتل بالشبهة انسجاماً مع شعارهم "الموت للعرب" و"الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت". وقد نجح الرئيس أبو مازن بإقناع العالم وجزء من اليهود بأننا الاكثر حرصاً على استقرار منطقة الشرق الاوسط وحاجته الى السلام الدائم على قاعدة حل وفق ثوابتنا الوطنية، وفرض على من يكيلون بمكيالين أن يعيدوا النظر، بل واقتحم حصون الأعداء بدبلوماسية رشيقة ورؤيا لها صدى في العالم، مع حرصه على الثوابت وربط اي حل بالاستفتاء. وحصد هذه المنجزات الدولية على صعيد الأمم المتحدة ومجلس الامن وعلى صعيد البرلمانات الدولية وعلى صعيد الفاتيكان وعلى كل الصعد بما يتطلب ميداناً ملتهباً يتلاءم مع السياسات الذكية، وذلك بأن لا تخذلوا الراحلين العظماء من قيادتكم الذين بلغوا نصاباً في الجنة، ولا تخذلوا رئيسكم ابو مازن الذي دعا الى المقاومة الشعبية، ولا تخذلوا شعبكم الذي ظل رغم القسمة للجغرافيا والسياسة يراهن على دور فتح في رد الاعتبار للشعب والقضية.

وهذا يتطلب النهوض بالحركة عملياً بالانخراط في المقاومة الشعبية المدنية في مواجهة الاستيطان وقوات الاحتلال بعشرات الآلاف من كوادر الحركة، التي ستُضاعف فوراً بمشاركة القوى والأحزاب الوطنية والإسلامية وجماهير شعبنا العظيم، فما يوحدنا هو المعركة وليس الحوار الذي لم يعد يجدي على مختلف المسارات، وإذا ما تحقق ذلك الزخم الهائل من إغلاق الطرق الالتفافية فإن اسرائيل ومستوطنيها لن يستمروا حيث حوافز وجودهم وحريتهم وعدم الاعتراض العملي على وجودهم كمستعمرين غزاة لأرضنا الفلسطينية . الطلب من الحكومة واللجنة التنفيذية بملاحقة إسرائيل لدى المحاكم الدولية على جرائمها المتواصلة وتقديم كل ما يتعلق بملفات الاستيطان والحركة الأسيرة وتدمير مرتكزات الحياة الفلسطينية وجرائم الحرق والقتل وتدمير المنازل والاستلاب لحرية شعبنا لوضع إسرائيل على قائمة الابارتهايد، كما ورد في تقرير الاسكوا، مع التثمين العالي لدور الأخت ريما خلف، ووضع مدينة القدس قيامة السيد المسيح عليه السلام وعروج سيدنا محمد "صلى الله عليه وسلم" إلى السماء، أي أنها بوابة الأرض إلى السماء في أولويات المهام الفلسطينية على صعيد الاقتصاد ودعم الصمود وكل متطلبات الحياة بما يرقى إلى مكانتها كعاصمة أبدية لفلسطين ومكانتها الروحية على الكرة الأرضية.

من أجل الانتماء إلى جيل الرواد في هذه المرحلة الصعبة علينا الوفاء للقسم، بأن يكون الوقت والمال والروح للوطن، وأن تعود مرحلة الوهب تجاوزاً لمرحلة الامتيازات والنهب للوطن، وان نغلب ظاهرة المعنيين بالهم الفلسطيني وليس ظاهرة أصحاب الامتيازات على حساب الوطن، ولُنعد حركة فتح كما كانت الاسم الحركي لفلسطين والانتماء لحركات التحرر، كونها الإيمان بحتمية النصر والاستعداد الدائم للتضحية على قاعدة القيادة الجماعية والالتزام بالنظم واللوائح واستحضار قانون المحبة لتجسيد حلمنا الوطني في العودة والدولة المستقلة وعاصمتها القدس وحق شعبنا في تقرير المصير، وليسأل كل منا نفسه، ماذا يمكنه أن يقدم من دليل أننا على درب الكبار نسير لنستقطب جماهيرنا التي هي الماء وهي الحياة وهي صاحبة الحق في المستقبل. عاشت الذكرى والمجد للشهداء والحرية للأسرى.