تقوم الحركة الصهيونية على فكرة جوهرية ومحورية فكرة الأرض، ، وتجسدت هذه الفكرة في أول مؤتمر لها ببال السويسرية ،والذي أسست مقرراته عمل الحركة الصهيونية منذ ذلك التاريج، وألقاسم المشترك لكل الأحزاب السياسية في إسرائيل منذ نشأتها كدولة عام 1948 إستنادا للقرار لأممي رقم 181، وفكرة الأرض تتلخص بأن فلسطين كلها أرضٌ لليهود،وهذا ما يؤكد لنا إصرار الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتانياهو بضرورة الإعتراف بيهودية إسرائيل كدولة لكل الشعب اليهودي ، لا تطلب هذا الإعتراف من الأمم المتحدة او الدول الأخرى بل من الفلسطينيين على اعتبار ان الفلسطينيين يطالبون بنفس الحق، الحق في قيام دولة لهم تجسد هويتهم القومية والوطنية وهويتهم الحضارية والتاريخية ، وهو ما يعني نسفا لمصداقية مقولة الحركة الصهيونية في الأرض.فالقبول بفكرة الدولة الفلسطينية من وجهة نظر الفكر الليكودي الصهيوني هو إقرار بان هناك شعبا، وان هذا الشعب له جذوره التاريخية ، وحقوقه القومية على نفس الأرض التي تقوم عليها إسرائيل ، ولذلك الا تعترف بأنها دولة إحتلال، ولو إعترفت لانتهى الصراع منذ عقود طويلة ، ولا تعترف ان البناء الإستيطاني على الأرض أرض فلسطينية ،وهذا ما يجعلها تذهب بعيدا في الإستيطان والتهويد، والهدف في النهاية الحيلولة دون قيام دولة فلسطينية بأي شكل من الأشكال. قد يكون هذا من المنظور الايدولوجي العقدي التوراتي ، ومن المنظور الأمني الإستراتيجي ، تدرك إسرائيل ان بقاءها كدولة يعتمد على تحقيق فكرة إسرائيل الكبرى ، وهذه الفكرة لا تتحقق إلا بالإمتداد الجغرافي والسيطرة على مزيد من الأرض المقرة دوليا بانها أرض فلسطينية تقوم عليها الدولة الفلسطينية العربية.ومن ناحية أخرى تسعى إسرائيل أن تكون دولة قوة ، ودولة محورية في النظام الشرق اوسطي الذي تستهدف إحلاله محل النظام الإقليمي العربي ، وهذا الهدف الإستراتيجي لا يتحقق بقيام الدولة الفلسطينية التي تعني من بين أمور كثيرة حصر إسرائيل داخل حدود ضيقة من شأنها أن تؤدي إلى حالة من الضعف والترهل الداخلي ، والفكر الصهيوني يقوم على فكرة التمدد الإقليمي ، ولذا تصر إسرائيل مثلا بالتمسك بالجولان الإستراتيجية لها ، وبقيام دويلات مذهبية إثنية على طول حدودها.بدلا من وجود دول عربية قوية وفاعلة مثل العراق وسوريا، وبالمعنى العام ترفض إسرائيل فكرة الدولة العربية القوية المحورية المركزية. وكل هذه الأهداف تقف في طريق القبول بالدولة الفلسطينية أيا كانت مساحتها وماهيتها، الرفض لفكرة الدولة الحدودية في حد ذاتها هذا هدف إستراتيجي يجعل من الفكر الليكودي الصهيوني فكرا قابلا للحياة والديمومة والإستمرارية. وفي هذا السياق واجه هذه الفكرة معضلة وإشكالية كبرى ، وهو العنصر الديموغرافي الفلسطيني الذي فشلت إسرائيل في التخلص منه، او السيطرة عليه،او بتهجيره، وأصبحت امام حقيقة بشرية لا يمكن طمسها والقفز عليها، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل نجح الفلسطينيون في التأكيد على هويتهم الوطنية والتاريخية ، ونجحوا في تثبيت كينونتهم السياسية اولا عبر منظمة التحرير وثانيا عبر الإعتراف بالدولة الفلسطينية المراقب في الأمم المتحدة ، وعبر بناء المؤسسات السياسية والتعليمية والثقافية والمجتمعية ، وعبر كسب الشخصية الدولية إلى جانب شخصيتهم الوطنية . امام هذه الحقيقية باتت إسرائيل أمام أزمة فكر ، وخلل أيدولوجي ، فالشعب الذي تنكر وجوده أصبح له وجود وكينونة معترف بها. وامام هذا المأزق الفكري تحاول إسرائيل أن تفصل بين العنصر السكاني وعنصر الأرض إدراكا منها أنه لو إجتمع العنصران ، وتوفرت لهم عناصر التفاعل البشري والمكاني كفيل بفرض الدولة الفلسطينية ، وإنتزاع إعتراف دولي كامل ، وعندها إسرائيل لا خيار امامها الا الإعتراف بهذه الحقيقة وإنهاء إحتلالها تحت الضغط السكاني والدولي . وللتغلب على هذه الإشكالية تقوم إسرائيل وتسارع الزمن بفرض حقائق على الأرض بالبناء الإستيطاني في الأراضي الفلسطينية المخصصة للدولة الفلسطينية ، وإثبات ان الإستيطان حقيقة جغرافية وبشرية ، وهي ما نجحت فيه إلى حد كبير. ومن ناحية أخرى تدفع في إتجاه الفصل بين الفلسطينيين وأرضهم، ومن ناحية أخرى قد تدفع في إتجاه الدفع بالفلسطينيين للهجرة للخارج عبر وسائل متعدده أهمها خلق صعوبات الحياة على الأرض. وأمام المأزق السكاني الفلسطيني تركز إسرائيل على الحلول البعيدة عن فكرة الدولة ، بالتركيز على الحلول المعيشية والعمل وتحسين نوعية الحياة ، وتشجيع الإدارات المحلية لإدارة شؤونهم، او بالحلول الإقليمية ،اي البحث عن وطن بديل للفلسطينيين في الأردن او بالتوطين ، او الهجرة ، والحصول على مواطنات دول اخرى، لكن هذه الحلول كلها باءت وتبوء بالفشل لأن المشكلة ليست مشكلة أفراد، بل المشكلة شعب بالكامل لا تجدي معه كل هذه الحلول. والحل الوحيد للشعب بإتاحة الفرصة أمامه لممارسة حقه في تقرير مصيره وقيام دولته المستقلة . وإشكالية الفكر الليكودي الذي تجسده الحكومة الإسرائيلية الحالية بتركيبتها اليمينية والتي من أهم مكوناتها البيت اليهودي بزعامة نفتالي الذي يطالب بضم كل الضفة الغربية وشرعنة الإستيطان، هؤلاء ما زالوا يؤمنون بفكرة ان الأرض يهودية خالصة ، ولا يحق للفلسطينيين إمتلاكها ، وإنما يمكن العمل عليها ، ولا حق لهم إلا العمل والعيش كأغراب، هذا الفكر لم يعد قابلا للحياة ،ويتعارض مع وقائع الحياة على ألأرض وكفيل بديمومة الصراع حتى الموت.من منظور هذا الفكر يتم رفض فكرة الدولة الفلسطينية حتى لو كانت منزوعة السلاح، ودولة تفتقر لعناصر القوة ، وحتى لو اعلنت عن تمسكها بالسلام والديموقراطية ، إسرائيل ترفض فكرة الدولة ، وترى انه لا يمكن وجود دولتين سياديتين متلاصقتين متداخلتين جغرافيا وسكانيا، فمن شأن هذا التداخل ان يسلب إسرائيل يهوديتها ،يفقدها قوتها، وتحولها في المدى البعيد لدولة اقلية ، بل ان قيام الدولة الفلسطينية سيقود حتميا لخيار الدولة الواحدة لكل مواطنيها ، وهو نقيض لبقاء إسرائيل كدولة وهوية وشعب، في هذا الفكر يفهم لماذا ترفض إسرائيل فكرة الدولة الفلسطينية.