قمة عمّان.. التحديات والتوقعات

عبد الغني سلامة.jpg
حجم الخط

بعد اعتذار اليمن (بسبب الحرب) من المقرر أن تُعقد في عمّان في نهاية آذار الحالي الدورة الثامنة والعشرون للقمة العربية، ومن المتوقع أن تسبقها اجتماعات تحضيرية سياسية واقتصادية وفنية على مستوى المندوبين والوزراء وكبار المسؤولين.
من المبكر التكهن بمن سيحضر ومن سيغيب، ومستوى المشاركة، ولكن من شبه المؤكد غياب الرئيس السوري، حيث أعلنت عمّان أنها لن توجه له دعوة لحضور القمة، التزاما بقرار الجامعة العربية القاضي بتعليق عضوية سورية فيها، والذي اتخذته العام 2011، إثر تفجر الأحداث هناك.
أبرز المحاور المطروحة على القمة: القضية الفلسطينية، الأزمة السورية، الأوضاع في اليمن والعراق وليبيا، ومحاربة التطرف والإرهاب.
قبل الحديث عن القمة، من المفيد التذكير بأبرز مكونات المشهد السياسي بشكل عام.. على المستوى الدولي هذه القمة الأولى التي ستُعقد في عهد الإدارة الأميركية الجديدة، وهذه الإدارة تختلف عن سابقتها في ثلاث مسائل: التسوية السلمية، الدور الإيراني، والموقف من الإسلام السياسي؛ فالإدارة السابقة كانت تتبنى حل الدولتين، وكانت قد جمدت خلافاتها مع طهران، وأقفلت الملف النووي، وفي موضوع الإسلام السياسي، تغير موقفها من الرهان عليه إلى استبعاده، وتحديدا في الحقبة الثانية من عهد «أوباما»، أي بعد التغير الجوهري الذي حصل في مصر.
بالنسبة للتسوية السلمية فقد أعلن «ترامب» في لقائه مع «نتنياهو» أن حل الدولتين لم يعد شرطا، وأبدى تساهلا في موضوع الاستيطان، وتهويد القدس.
أما إيران فستشهد الفترة المقبلة توترا بين الجانبين. على صعيد محاربة الإرهاب، ستعمل الإدارة الجديدة وفقاً لخطة أعدها البنتاغون وشاركت بها وزارتا الخارجية والمالية، حددت فيها مجموعة محاور للتحالف الدولي والمنظومة الإقليمية، تتضمن استخدام القوة العسكرية والدبلوماسية، والتمويلية، والثقافية، والحرب الإلكترونية والإعلامية لمواجهة ما تسميه «الإرهاب»، مع توسيع دائرة المواجهة ضد داعش، بحيث تشمل كل ما يتصل بها من شبكات وتنظيمات وفروع وتمويل.
على المستوى الدولي أيضا، شهدت المنطقة عودة الدب الروسي بقوة، وبتواجد عسكري مباشر، في ظرف لم يعد بوسع أميركا فيه التصدي المباشر للدور الروسي الجديد، ما استدعى إيجاد نوع من التفاهم وتقاسم الأدوار ومناطق النفوذ بين القوتين الكبيرتين.
والدور الروسي سيظل متحالفا مع إيران وداعما لسورية، رغم زيارات نتنياهو المتكررة لموسكو، وإلحاحه على بوتين الضغط لإخراج إيران وحزب الله من سورية، إلا أنه كان يعود في كل مرة بأقل مما كان يطلبه أو يتوقعه، وكل ما حصل عليه هو وعد أن تتغاضى موسكو عن أي عمليات عسكرية إسرائيلية، جوية أو مدفعية، ضد القوات الإيرانية وحزب الله.
على المستوى الإقليمي، لا يخفى على أي مراقب وجود ثلاثة مشاريع قوية متنافسة (الإيراني، التركي، الإسرائيلي)، وذروة صراع هذه المشاريع تلتقي في سورية والعراق.. وهي مشاريع توسعية، تستخدم كل ما في جعبتها من عناصر قوة ناعمة وعسكرية وأمنية واقتصادية، وتنهش في جسد الأمة العربية بلا رحمة.. ومن المؤسف غياب أي مشروع عربي مشترك، بل إن العلاقات العربية عموما تتوزع على عدة محاور متقاطعة ومتنازعة.. وحتى الدول التي كان من المفترض أن تلعب دورا يتناسب مع مكانتها وإمكاناتها، لم يعد يُعوَّل عليها؛ السعودية دخلت في أزمة اقتصادية، ومصر مشغولة بأزماتها الداخلية، السودان خسر أكثر من ثلث مساحته، والعراق وسورية واليمن وليبيا تعاني من حروب أهلية.. وإضافة إلى ذلك، تتعرض المنطقة العربية لموجة عاتية من الإرهاب والتطرف.
على الصعيد المحلي، فلسطينيا ما زال الانقسام قائما، والأفق السياسي مغلقا، والسلطة أمام واقع صعب، وخياراتها تتقلص كل يوم.. إسرائيليا، نتنياهو ماضٍ في سياسات الاستيطان، ويفكر بانتخابات مبكرة للتهرب من التحقيق معه بتهم الفساد، ولكسب الوقت أمام ضغوط قد يمارسها عليه «ترامب».
بالعودة إلى القمة، يجدر التذكير بأنه سيسبقها بنحو أسبوع مؤتمر دولي سينعقد بواشنطن لوزراء خارجية الدول الـ 63 المشاركة في «التحالف الدولي لهزيمة داعش»، وبالتالي، من المتوقع أن يلعب الأردن (بصفته الدولة المضيفة) دورا فاعلا في توجيه مخرجات القمة العربية لتنسجم مع مخرجات مؤتمر واشنطن، خاصة في مواضيع محاربة الإرهاب، وترتيبات المنطقة لمرحلة ما بعد داعش، والموقف من إيران.
ولتتفق أيضا مع مضمون بيان القمة الخليجية التي عقدت في البحرين أواخر العام الماضي؛ فالأردن؛ ولأنه يعرف تماماً موقف الخليج، لا يستطيع الخروج عن المحور الذي تقوده السعودية، أو إظهار أي تمايز مع موقف الخليج عموما من قضايا إيران والعراق وسورية.
قبل انعقاد المؤتمر زار العاصمة الأميركية كل من العاهل الأردني، وولي العهد السعودي، كما أوفدت واشنطن مندوبيها للقاء عدد من زعامات وقيادات المنطقة بهدف الاتفاق على برنامج عمل إقليمي يشمل الدور الذي تحدث عنه «ترامب» حول تشكيل منظومة إقليمية عربية تضطلع ببرنامج من محورين رئيسيين متداخلين، وهما هزيمة داعش، وتحجيم الدور الإيراني.
من المتوقع أن تعيد القمة طرح موضوع تحديث مبادرة السلام العربية والعمل على تحديثها لتشكل قاعدة لمبادرة جديدة محتملة، (تحدث عنها البيت الأبيض) لتكون مظلة لاستئناف المفاوضات العربية مع إسرائيل لتنفيذ حل الدولتين.
ويخشى الفلسطينيون أن تأتي تلك «التحديثات» متوافقة مع الرؤية الأميركية الإسرائيلية التي تريد حل الصراع دون دولة فلسطينية مستقلة، ويخشون أيضا أن تكون القمة مظلة لتنمية وتطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل على حساب الفلسطينيين، لذلك؛ سيسعى الرئيس عباس لجعل القضية الفلسطينية في قلب أجندة القمة، وعلى رأس أولوياتها، على قاعدة ضمان حق تقرير المصير وفقا للثوابت الفلسطينية، ولمقررات القمم السابقة، إضافة لتحصيل الدعم السياسي، والمادي.
رغم أهمية تأثير العوامل الخارجية، والتوقع بأن تلقي التوجهات الأميركية بظلالها على القمة، إلا أن هذا لا يعني أنها ستكون حفلة لتنفيذ إملاءات واشنطن بالمعنى الحرفي.. ونأمل أن تحقق قدرا من «الممكن السياسي»، الذي يمكّن الدول العربية من الخروج من المأزق الراهن، بأن تتماسك وتوقف حالة التدهور، وتحبط مشاريع  تقسيم سورية والعراق، وتدعم الموقف الفلسطيني، وأن لا تنشغل بإيران على حساب القضية الفلسطينية، وأن تنشغل بالتصدي للتحديات المختلفة في مجالات التنمية المستدامة، والنهوض بالتعليم والصحة، ورفاهة المواطن، ومحاربة التطرف والمخدرات والفساد.
إن خرجت قمة عمّان، بهذه المنجزات، أو على الأقل وضعت قطارها على سكة التغيير فإنها ستستحق توصيف القمة الاستثنائية، وإلا لن تكون سوى امتداد لسبع وعشرين قمة، لم تحقق إنجازا يستحق الذكر.