صديق عربي مختص في الشأن الفلسطيني، قال لي مستنتجا في قراءته لرد الفعل في الساحة على زيارة الرئيس ابو مازن لمصر مطلع الأسبوع، بأنه "متحفظ" نسبيا. لكني أكدت له، عدم دقة إستنتاجه. لإن الساحة الفلسطينية بكل مكوناتها بدءا من قمة الهرم السياسي وصولا للشارع وعامة الناس عبرت عن إرتياحها العميق للزيارة، لإدراك الكل الفلسطيني بإستثناء أعداء مصر التاريخيين من الإخوان المسلمين ومن لف لفهم من الجماعات الإسلاموية التكفيرية، أهمية العلاقة الفلسطينية المصرية، وحرصهم على حماية وتطوير العلاقة الثنائية المشتركة.
وكان المرء كتب هنا في هذه الزاوية أكثر من مرة، ان العلاقة المصرية الفلسطينية، وتحديدا علاقة مصر مع منظمة التحرير ثابت من الثوابت السياسة المصرية، وايضا وجود قناعة راسخة لدى القيادة الفلسطينية أن ديمومة العلاقة وتطورها، وحمايتها من الهنات والتباينات والتعارضات الطبيعية، التي تنشأ في سياق سيرورة الأحداث قاعدة اساسية في السياسة الفلسطينية.
نعم شهدت العلاقة الثنائية في الأونة الأخيرة بعض التباين، وحدث برود نسبي في حرارتها. غير ان الرئيس محمود عباس واللجنة التنفيذية للمنظمة ولجنة فتح المركزية والحكومة، جميعها كانت حريصة اشد الحرص على إعادة الدفء للعلاقة. وهو ما حصل في الزيارة الأخيرة، التي تشير المصادر العليمة، انها كانت أكثر من إيجابية، وحملت في ثناياها الكثير من الآفاق الواعدة، ليس بإستنهاض العلاقة فقط، بل وبإعطاءها مقومات وحوافز لتطويرها من خلال الإتفاق على وضع أسس ناظمة وراسخة في كل الملفات ذات الصلة لتجذيرها وتعاظمها، وبالتالي وضعها على سكة صلبة تحول دون التأثيرات الجانبية، التي يمكن ان تصادفها في الواقع الراهن او في المستقبل. لاسيما وان التكامل بين القيادتين الفلسطينية والمصرية أمر في غاية الأهمية للشعبين الشقيقين والنظامين السياسيين.
ولعل اهمية الزيارة تكمن في أنها جاءت عشية إنعقاد القمة العربية في دورتها ال28 في المملكة الأردنية الهاشمية بعد ايام؛ وعشية لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب؛ وفي ظل إصرار حركة حماس على خيار الإمارة، ورفض المصالحة الوطنية؛ وأيضا لإدراك الطرفين برفض حكومة إسرائيل المتطرفة لخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وللرد على كل القوى المتربصة بالعلاقات الأخوية العميقة بين القيادتين والشعبين.
إذا دلالات زيارة الرئيس ابو مازن لمصر عديدة وإستراتيجية، لإن الزيارة لم تكن لكسر الجمود، انما لإعطاءها دفعة قوية، ومدها بكل مقومات التطور، لتعكس بنتائجها عمق الروابط التاريخية والجغرافية بين فلسطين ومصر. خاصة وان القيادة الفلسطينية وشخص الرئيس عباس تحديدا يدرك مكانة واهمية وإستراتيجية العلاقة مع الشقيقة الكبرى. وبالتالي من يعتقد من الفلسطينيين والعرب وجود تحفظ وعدم تفاعل فلسطيني مع نتائج الزيارة، خانه التقدير الدقيق في إدراك نبض الشارع والقوى السياسية والقيادة الفلسطينية وعلى رأسها رئيس منظمة التحرير الفلسطينية.
مصر المحروسة ونظامها السياسي بقيادة الرئيس المشير عبد الفتاح السيسي تحتل موقعا ومكانا خاصة في السياسة الفلسطينية. ولا يمكن لكائن من كان تجاهل طابعها الإستراتيجي. وقادم الأيام ستعكس حيوية ومتانة هذه العلاقة، وقيمة ودلالة الزيارة الإستثنائية في المشهد الفلسطيني المصري، وعلى المستوى العربي. لاسيما وان ما يجمع مصر وفلسطين أعمق واعظم من كل التباينات والهنات.