الأخبار التي تتوارد من جهات ذات علاقة بملف الجامعة تبشر بقرب التوصل لصيغة تسوية تعيد الجامعة إلى سابق عهدها، كأكبر مؤسسة تعليمية جامعية حكومية على مستوى الوطن، وأحد أهم جامعات قطاع غزة، كونها تتلقى دعماً سخياً من الحكومة المركزية في رام الله، مما يجعلها ملاذاً للطلاب الفقراء، والملجأ الوحيد لأبناء ذوي الدخل المحدود في القطاع.
لقد بدأت محنة الجامعة عملياً بعد الانقسام الذي حدث في يونيه 2007، حيث نظر بعض الطيبين من قصار النظر للجامعة باعتبارها أحد الغنائم، وبدأت الإجراءات في التضييق على مجلس الأمناء أولاً، والعمل على تعطيل كل ما يأتي من رام الله من قرارات..!!
لقد حاولت مع آخرين أن نكون "طرف خير"، والعمل على تسوية ما استجد من خلافات، ولكن - للأسف - كان هناك من لا يرى إلا فرض الحلول التي تكرِّس الانقسام، وتعزز ما يعتبره – آنذاك - مكسباً لا بدَّ من الحفاظ عليه.!!
أخذت أحوال الجامعة في التراجع عاماً بعد أخر، بسبب سياسة فرض الأمر الواقع، وعقلية بعض المتنطعين، الذين اعتقدوا أنهم يمكن أن يغالبوا وزارة التعليم العالي، وأن يسوسوا الجامعة بإدارة استحدثوها ومجلس أمناء جديد، بعيداً عن أرضية التوافق والتفاهمات المطلوبة مع رام الله، مما أتاح للمناكفات والردح أبواباً مشرعة أساءت للجامعة ووجه الوطن.
لم تتوقف الجهود والمحاولات الخيَّرة، والتي قاد بعضها بهمِّة وحيوية د. غازي حمد؛ وكيل وزارة الخارجية، ولكنها - للأسف - كانت تصطدم بمواقف بعض الأشخاص والجهات التي لم تفكر مليِّاً في العواقب، وكانت تقديراتها قصيرة النظر لحجم المخاطر على مستقبل الجامعة وطلابها.
ويمكنني - من مشهد المتابع والمطلع على تفاصيل ما كان يجري بين غزة ورام الله - القول: إن اليأس والاحباط بلغ منتهاه لدى كل من حاول التوسط من هنا أو هناك. كانت مسيرة الإصلاح متعثرة، بالرغم من كثرة الحلول والمبادرات التي جادت بها قرائح مشهود لها بالوعي وبعد النظر. وعليه؛ ولأكثر من عقد من الزمان والأوضاع تراوح مكانها، والتشنج والعناد من الطرفين كان هو – للأسف - سيد الموقف.
وعندما تمَّ تعيين د. صبري صيدم وزيراً للتربية والتعليم العالي قبل عامين تقريباً، حاول الرجل مشكوراً التواصل وتقديم رؤيته واجتهاده لتسوية المشاكل القائمة، والخروج بحلول تعكس طبيعة أن الجامعة هي في الأصل حكومية، وأنَّ كل ما يتعلق بالميزانية والإدارة يجب أن تكون مرجعيته بالأساس رام الله، وبدرجة من التنسيق والتشاور مع من يمثل الوزارة في قطاع غزة.
لقد استبشرنا خيراً باستعدادات الوزير د. صيدم للتعاون والتواصل في سبيل إخراج الجامعة من ورطتها.. وفعلاً بدأت الاتصالات والمكاتبات والحوارات، والتي كانت ترسل لنا بالمزيد من التطمينات والمبشِّرات، ونجحنا في إيجاد حلقات تواصل واتصالات هاتفية لها مع قيادات المكتب السياسي بالخارج، وبدأنا نشعر بقرب حدوث اختراق، وأن فرصة الحل والفرج قد دنت وبإمكاننا أن نتنفس الصعداء.. وقلنا لإخواننا في قيادة الحركة بأن هذا الإنجاز في ملف الجامعة إذا تحقق فسيكون مقدمة لحلولٍ أخرى على مستوى تعقيدات العلاقة القائمة بين كل الوزارات.
ولكن - ونكرر الأسف لمرة ثانية وثالثة ورابعة- عاد البعض من أصحاب المصالح الضيقة والعقليات المتحجرة من هذا الطرف أو ذاك، والتي – وهذه هي الحقيقة - لا تتسع حدقاتها لرؤية الآخر، بفرض رؤيتها ومواقفها على المشهد، الأمر الذي أوصلنا إلى سياسات حافة الهاوية، وصدور قرارات قاسية من رام الله، أدت إلى شبه تعطيل للجامعة، وضياع مستقبل الآلاف من طلابها.!!
أتمنى أن تكون جولة الحوار الحالية هي طوق النجاة الأخير للجامعة، وثقتي عالية بالجهات التي آل إليها – مؤخراً - ملف الجامعة من قيادات الحركة، وأيضاً بالصديق العزيز د. صبري صيدم؛ ابن غزة، الرجل المثابر والحريص على أن تبقى الجامعة منارة علمية، ومحط رحال لأبناء الفقراء ومحدودي الدخل، الذين يجدون في التسهيلات الكبيرة التي تقدمها لهم الحكومة فرصتهم الوحيدة لمواصلة دراساتهم الجامعية، والانطلاق في عالم العلم والمعرفة.
للدكتور صبري صيدم؛ وزير التربية والتعليم العالي، كل التقدير والتحية والترحيب في زيارته المتوقعة خلال أيام إلى قطاع غزة.. فأهلاً وسهلاً به بين أهله وإخوانه في قطاع غزة، وكل الشكر للإخوة في حركة حماس واللجنة الإدارية الجديدة المكلفة بهذا الملف المهم والحساس لاستقرار حياة طلابنا، الذين أرهقناهم صعوداً بخلافاتنا السياسية وحالة التشظي والانقسام، وندعو لهم بتغليب لغة الحكمة والعقل، وأملنا أن تبقى مصالح الطلاب وأوجاعهم مقدمة في تقديرات الحل ومآلاته على أي مصلحة أخرى.
وبانتظار ما نراه فرجاً قريباً، ندعو للجميع أن يسدد الله خطاهم، وأن يكلل جهودهم بالنجاح وبالتوفيق.