حولت تصفية مسؤول «حماس» الكبير، مازن فقهاء، والعمل المهني الذي أظهره من نفذ التصفية، الانتباه العام نحو قطاع غزة. ولكن رغم الصدى الذي أثارته تصفية «الارهابي»، الذي خطط من غزة لعمليات في الضفة، فان الحدث الاستراتيجي المهم الذي ينبغي النظر اليه هو ذاك الذي لم يحصل بعد: إذا اندلعت حرب أخرى في الجبهة الجنوبية، فمن المشكوك فيه جدا أن تكون بسبب التصفية الحالية التي تعزيها «حماس» لإسرائيل، بل بسبب «العائق»؛ المشروع تحت الارضي الهائل لتصفية تهديد الأنفاق.
يفترض بمشروع «العائق»، الذي نشر عن وجوده لأول مرة في «يديعوت احرونوت» أن يوفر الجواب الذي لا لبس فيه على مشكلة الانفاق. فالحديث يدور عن سور واق، بعضه فوق سطح الارض وبعضه تحت الأرض، على طول الجدار في حدود غزة. وقد بدأت الاشغال قبل بضعة اشهر ولكن على طول مئات الامتار فقط وبشكل موضعي. في الصيف من المتوقع للاشغال أن تلقى زخما كبيرا: مئات الآليات الهندسية الخاصة التي تستدعي منظومة حراسة متشددة من الجيش الاسرائيلي حولها، ستعمل في أكثر من أربعين نقطة. وكما افاد رئيس الاركان، غادي آيزنكوت، في نقاش جرى، الاسبوع الماضي، في لجنة رقابة الدولة – نقاش عني بالتقرير الحاد للمراقب عن «الجرف الصامد» – فان كلفة المشروع تبلغ نحو 3 مليارات شيكل، اضافة الى 1.2 مليار شيكل استثمرت في تطوير حلول تكنولوجية للعثور على الانفاق. والتقديرات هي أن النصب النهائي لمشروع العائق بعد نحو سنتين حول نحو 65 كيلومترا من الجدار الفاصل سيضمن بشكل كبير منع تسلل الانفاق. وهكذا ستقف «حماس» أمام معضلة لم يسبق لها أن وقفت أمامها: كيف تعمل عندما تفقد القدرة الاستراتيجية التي تبنيها على مدى السنين لغرض تغطية القدرة الهجومية للجيش الاسرائيلي، فتتغير قواعد اللعب تماما؟
يمكن التقدير بحذر أن «حماس» لن تسلم بالأشغال المكثفة وستحاول عرقلتها منذ بدايتها لمنع اقامة العائق حتى بثمن الخروج الى جولة أخرى حيال إسرائيل. من زاوية نظر محمد ضيف ويحيى السنوار، فان الحرب بدون أنفاق غير واردة، وعليه فرغم الاقوال المبررة في جهاز الأمن الإسرائيلي عن الردع الذي يعمل منذ «الجرف الصامد»، فان على الجيش الاسرائيلي أن يستعد لامكانية جولة اخرى في الصيف القريب القادم. وعلى مثل هذا التقدير أن يتم في ظل استخلاص عموم الدروس التي طرحت في تقرير المراقب، مع التشديد ليس فقط على معالجة الأنفاق بل وأيضا على الجبهة الداخلية في الغلاف الذي حددته «حماس» بانه البطن الطرية لإسرائيل.
وتأتي التقديرات المتعلقة بامكانية جولة قتال قريبة رغم المعطيات التي تفيد بفترة هدوء نسبي. فمنذ حملة «الجرف الصامد» أحصى الجيش الاسرائيلي نحو أربعين حادثا. وحتى بعد تصفية فقهاء، نهاية الاسبوع، والتي تعزى في «حماس» لإسرائيل، فان التقدير هو أن «حماس» وان كانت ستحاول ان ترد من خلال عملية في الضفة، الا أنها تمتنع وستمتنع عن الرد من خلال إطلاق الصواريخ من قطاع غزة. فـ»حماس» تفضل الحفاظ على الهدوء في القطاع من أجل تثبيت استقرار حكمها.
وبعد كل هذا، وعلى الرغم من النجاح المتوقع للعائق في احباط الانفاق القائمة واغلاق تلك التي ستحفر في المستقبل، ينبغي التساؤل هل يتعين على دولة اسرائيل والجيش الاسرائيلي أن يستثمرا 4.2 مليار شيكل حيال تهديد الانفاق الذي وصفه رئيس الاركان بأنه خطير، ولكنه تكتيكي وليس استراتيجيا. ألم يكن بوسع الجيش ان يستخدم هذا المبلغ الهائل بطريقة اخرى كالتحسين الدراماتيكي في الاستخبارات او في قدرة الذراع البرية التي اهملت؟ أوليس من الاصح الاستثمار في الادوات القتالية – في التحصين، في مستوى نجاتها وقدراتها الفتاكة؟ في تدريب قوات الاحتياط؟ فالتحديات كثيرة، ويوجد المزيد فالمزيد من القدرات التي ستكون ذات صلة بجبهات قتالية اخرى ومهمة، وليس فقط في غزة.