توصيات لجنة التحقيق الخاصة بالأحداث التي وقعت أمام مبنى المحكمة في رام الله، عكست مستوى المسئولية المجتمعية والقانونية لرئيس اللجنة وأعضائها، ذلك أن هذه التوصيات صوَّبت كثيراً من الأمور التي كان ضباب كثير حولها.
إذ أن هذه التوصيات وضّحت بما لا لبس فيه أن كرامة المواطن مصونة وأن حقه في التعبير مقدس، وأن الصحافة والصحافيين لهم كامل الحق في الوصول إلى المعلومات، وتغطية الأحداث، وأن للمرأة الحق في المشاركة السياسية والتظاهر السلمي والتعبير عن الرأي ضمن إطار من الاحترام والحماية، ولكن، وقبل كل شيء، فإن الأهم في هذه التوصيات أن اللجنة برئيسها وأعضائها أثبتت أن السلطة الوطنية الفلسطينية ليست لفئة أو طغمة أو جماعة أو حزب، بل هي للشعب الفلسطيني، ولخدمته ولحمايته ضمن إطارٍ عريض من القانون.
هذه اللجنة، برئيسها وأعضائها، عكست مستوى الفهم العميق لمعنى النظام والمجتمع، ولمعنى الدولة الوليدة، حتى يعطي المجال كاملاً للحياة أن تستمر، وللحقوق أن تحفظ، وخصوصاً أن هناك احتلال بغيض يقتل ويصادر ويهين.
لهذا، فإننا نحيي اللجنة برئيسها وكيل وزارة الداخلية اللواء محمد منصور "أبو عاصم"، وأعضائها أيضاً، على تلك الأمانة التي أدوها كما يجب، فلم يجاملوا أو يخفوا أو يحذفوا أو يحابوا أحداً، فقد قالوا الحقيقة كما هي، وعُري الحقيقة جميل، لأنه يضع الأمور في نصابها، ويصوب الاتجاه، ويعطي كل ذي حق حقه.
هذه اللجنة وتوصياتها ستكون رادعاً لكل من تسول له نفسه أن يطبق القانون كما يرى أو كما يريد، وستشكل أيضاً نموذجاً عالياً في التعامل مع الجمهور والتعامل مع روح القانون لا نصوصه الجامدة، وهي فرصة جديدة لاستخلاص العبر كل حسب موقعه ودوره.
وهي سُنّة حميدة، أن تحقق في ما يجري في مجتمعنا، فأن نتعود تشكيل اللجان للتحقيق، يعني ذلك أن نقلل الخطأ وندرأ الكارثة ونحارب ظواهر الاستعداء أو الفساد أو التعدي، وعلى ضوء نتائج التحقيق التي عرضتها اللجنة، والتي أرضت كل الأطراف وكانت حريصة على الحقيقة قبل كل شيء، فإن ذلك يدعونا إلى أن نفكر بالشراكة المجتمعية والسياسية، وهذا يتطلب من منظمات المجتمع المدني والنقابات والأحزاب، أن تؤكد دائماً على أن الأمن هو مسئولية الجميع، وأن الالتزام بالقوانين يجب أن يكون ديدننا، وأن تكون مساهمة بشكل فعّال بالمسئولية المجتمعية والأمنية، من باب الشراكة والمسئولية التي تعمل على حفظ أمن الشعب الفلسطيني وصون حقوقه.
أخيراً، نحن نحيي من قرر تشكيل اللجنة، ونحيي اللجنة، وننتظر أن توضع التوصيات موضع التنفيذ، لأن توصيات بدون تنفيذ يعني أنها شكلت للتنفيس ليس إلا، وهذا ما لا نتوقعه أبداً من رئيس وزراء دؤوب وحريص كرئيس وزرائنا الدكتور رامي الحمد الله.