إثر سيل الاتهامات والشتائم القبيحة ضد خطاب الرئيس ابومازن في ألمانيا نقول ان مشكلة كوادر حزب التحرير (الاسلامي) الفلسطيني المنشأ أنها تحرف المعركة دوما عن حقيقتها، وتقدم وصفات جاهزة مسبقة حول الخيانة والكفر والعمالة، فيما هي لا تطرح أي مشروع تحرري عملي، ولا تنخرط ميدانيا ضد المحتل أبدا، وتاريخها واضح بذلك.
لنقل أيضا أنه لم ولا ولن تشارك كوادر الحزب للأسف بأي فعل نضالي ثوري مقاوم سواء أكان عسكريا أو جماهيريا باستثناء ما نراه من مقاومة المنابر والشتائم ومؤتمرات الخلافة، الموجهة للداخل وليس ضد العدو المشترك، فهي بذلك من يضع نفسه في دائرة الشك ولن نقول اكثر .
تصر قيادة حزب التحرير أن تترسم خطى المثل العربي الصميم (أوسعتهم شتما وفازوا بالابل) فهي لا تقدم للاسرائيليين الا الشتائم منذ تأسيس الحزب ولا فعل، ولا قطران الا طرد المصلين ممن لا يعجبونهم من المسجد الاقصى تحت أعين الاسرائيليين.
عطفا على خطاب الرئيس عباس الذي خوّنه الحزب كالعادة وبشكل مأسوف عليه نقول لو كان حزب التحرير يدرك المعاني السياسية، وهو حزب سياسي بامتياز، ولو كان يقرأ جيدا على منهج كتاب التفكير الهام للشيخ تقي الدين النبهاني لفهم غير ما فهم من خطاب الرئيس ليطلق اتهاماته الجاهزة.
فالرئيس يعلن في ألمانيا أنه خرج من فلسطين من كل فلسطين من صفد، أي ان فلسطين كلها لنا، ويقول ذلك في ألمانيا أيها الاخوة حيث كل من يذهب هناك يُظن أنه يواسي اليهود ويدعم فكرة "الهولوكوست-المحرقة" ما لم يتم الإشارة له أبدا!
فيما الرئيس عباس يقول أيضا أن "الدولة" وهي "الكيان السياسي" المطلوب حاليا في نضالنا المرحلي، وليس "الوطن أو الجغرافيا" هي بمساحة الخمس أي ان الاربعة أخماس الأخرى هي فلسطين كانت وماتزال في عقله وعقل كل الفلسطينيين، وسعيهم الدائم فهذا ما يصدقه التاريخ والعلم والجغرافيا بلا شك وايماننا الذي لا تزلزله الجبال بوطننا فلسطين كل فلسطين.
وبمطالبة الرئيس عباس بالخمس-بل ومطالبتنا جميعا- لا يرفض مطلقا الاشارة ان الباقي لم يعد فلسطين بل يؤكد بوضوح أنها فلسطين واكرر أن هذا الكلام في المانيا أيها الاخوة
الرئيس عباس بذلك حينما يسير المسار السياسي والقانوني وفي الرواية ضمن معادلات موازين القوى، يقول بما اتفقت عليه كل الفصائل حتى فصيل "حماس" بدولة فلسطينية على حدود ال1967 وعودة اللاجئين والقدس عاصمتنا والسيادة وزوال المستوطنات، ما لا يعني ولن يعني مطلقا أن جل الأرض تلك ما أصبح عليها "دولة اسرائيل" هي أصبحت نسيا منسيا وليست لنا من ذات خطابه الصادم للاسرائيليين كما عبروا عن ذلك في تعليقاتهم.
يقول حزب التحرير(الاسلاموي) في صحيفة الراية التابعة له في 29/3/2017 التالي من نص كلام الرئيس المحرف والمجتزأ عن عمد كما يبدو بوضوح:(وقال عباس في كلمة له أمام أكاديمية كونراد أديناور، مساء اليوم الخميس "أنا أحد اللاجئين الفلسطينيين، فقد ولدت في صفد، وأجبرت وأسرتي على الرحيل ...).
بينما النص الأصلي في خطاب الرئيس هو وهو ذو الدلالة العميقة يقول: (فقد ولدت في صفد وهي في شمال فلسطين، التي عاش أهلي وأجدادي فيها لقرون طويلة، وأجبرت وأسرتي على الرحيل وأنا في سن الثالثة عشرة...) حيث أسقطت صحيفة الراية التابعة لحزب التحرير أن صفد في شمال فلسطين، وتم إسقاط أن "اهلي واجدادي عاشوا لقرون" من خطاب الرئيس؟! وما في ذلك من دلالة وتحريض واضح للناس القراء ليصبح اتهام الخيانة والعمالة متفقا مع هذا الاجتزاء والتزوير بالنصوص التي بتزويرها توحي عن التخلي عن فلسطين الأرض والتاريخ والجغرافيا.
وفي نقلهم للخبر وهم حزب عريق الحري بهم التدقيق كما يجب عليهم، وان نسبوا الخبر لغيرهم، يقول الخبر: "أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أن الفلسطينيين يطالبون بـ22% فقط من مساحة فلسطين التاريخية حتى حدود 1967 "، وبالعودة لنص خطاب الرئيس نقرأ ( ولمعلوماتكم نحن نطالب بـ22% فقط من حدود فلسطين التاريخية، ونحن نكتفي بهذا ونطالب بهذا، وعلى "إسرائيل" أن توافق على ذلك وأن توقف بناء المستوطنات التي يعترف العالم بأنها غير شرعية، وبأنها تقام في أراضي محتلة...) أي هو يقول أن "الكيان السياسي" وليس "الأرض او الجغرافيا" اسمها دولة فلسطين ونحن كقيادة فلسطينية من يطالب بها ولم يقل (الفلسطينيون) جميعا، لأنه في أدبيات الثورة الفلسطينية وكافة الفصائل والسلطة الوطنية الفلسطينية أن أي اتفاق للحل في المواضيع النهائية لن يتم الا باستفتاء لكل الفلسطينيين.
يقول أبومازن في خطابه ما لم يقرأه حزب التحرير( إن وطني فلسطين عبر تاريخه الطويل كان منارة اشعاع وعطاء، وشعبنا هو امتداد للشعب والحضارة الكنعانية قبل 3500 سنة، وبلادنا عرفت الوجود الحضري منذ آلاف السنين، وعلى ترابها ولد أول مجتمع زراعي في التاريخ الإنساني في أريحا، ومن أقدم مدنها القدس مدينة السلام، والخليل التي تحمل اسم أبي الأنبياء إبراهيم، وبيت لحم مهد المسيح عليه السلام، وكلها مدن ذات تاريخ وإسهام حضاري في المسيرة الإنسانية.)
ما نلاحظ فيه-في خطاب الرئيس- التفرقة الواضحة بين (وطني فلسطين) وبين (الدولة الفلسطينية)، أي بين الوطن وهو كل فلسطين وبين الدولة (الكيان السياسي) وهي على جزء من فلسطين ما لا يلغي الوطن.
وفي تاكيد الرئيس على الوطن فلسطين يقول (وبالرغم من مأساة شعبنا المتمثلة بالنكبة قبل سبعين عاما،ً والتي أدت إلى تشريد أكثر من نصف شعبنا الفلسطيني من وطنه في العام 1948....) نلاحظ تكرار كلمة (في وطنه) بلا تحفظ وبثقة تفرق بين الكيان السياسي الناشيء وبين الوطن الازلي.
تسرع صحيفة الراية التابعة لحزب التحرير لتقول طعنا ولعنا وببذاءة نصا (أنّ جميع أهل فلسطين المخلصين الشرفاء، بلا استثناء لا يقبلون، بل هم يرفضون أن يمثلهم أو ينطق باسمهم الرويبضات العملاء، دعاة الاستسلام والتفريط والتنسيق الأمني "المقدس" مع كيان يهود، بل إنّ الغالبية العظمى من أهل فلسطين باتوا يدركون أن السلطة الفلسطينية هي رديف وشريك للاحتلال)
وفي السياق الشتائمي المناقض لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "ليس المؤمنُ بالطَّعَّانِ ولا باللَّعَّانِ. ولا بالفاحشِ ولا بالبذيءِ" ، فإن حديث الحزب جل ما يبتغيه هو أن يستثير العواطف الدينية بلا أي قطران منه هو، (انظر حديث عمر بن الخطاب (رض) للعجوز تدعو للجمل الاجرب بلا أي فعل: هلا جعلت مع الدعاء شيئاً من القطران؟ )
تقول صحيفة حزب التحرير بافتراء وجراة: (إنّ طموحات عباس الخيانية لا تمثل إلا نفسه ومن حوله من مرتزقة المشروع "الوطني" الاستثماري، فأهل فلسطين وبعد كل ما قدموه من تضحيات وصمود من أجل دحر الاحتلال والخلاص منه لا يقبلون إلا بتحرير فلسطين كل فلسطين من دنس يهود، لا العيش بسلام مع يهود قتلة أبنائهم ومدنسي مقدساتهم ومحتلي بلادهم).
هم إضافة لشتائمهم المعيبة على المخالفين (من الرئيس وجر) يحولون الصراع على الأرض والوطن وضد الصهاينة وضد الاحتلال الى صراع مع الديانة اليهودية، وبذلك هم يقدمون الهدية الثمينة للعدو وخاصة لحكومة نتنياهو اليمينية التوراتية الفاسدة التاريخ والفتاوى، ويقدمون خدمة للمفتي اليهودي في المستعمرات (اسحاق شابيرا) الذي حلل قتل الأغيار حتى الأطفال بمنطق عنصري يتستر بترهات دينية.
ولمن يريد أن يفهم وينظر ويتأمل ولا يلجأ الى العادة السهلة وغير المحمودة وغير المجدية وهي أيضا غير الاسلامية وغير المحمدية، أي أن يلجأ للشتائم والتكفير والتخوين باستثارة العواطف بعيدا عن منطق العقل، نقول لمن يريد أن يعي ويتفكر: أليس من الأجدى لنا ولحزب التحرير وصحيفته صحيفة راية خاصة التخلي عن معادلة (أشبعتهم شتما وفازوا بالابل)! ومحمودعباس وكل فصائل المنظمة وحتى "حماس" مهما اختلفت-ونختلف معهم نحن أحيانا في عديد المواقف- تقوم وتعمل وتختلف، ولكنها تناضل بكافة الأشكال الميدانية والسياسية لتفوز ببعض الابل أو كل الإبل، فلا تشتم، أو تدعو ويدها خاوية! أيها الاخوة الكرام رغم سيل الشتائم القبيحة.
ان منارتنا وكما كان يردد الخالد ياسر عرفات هم مواكب الشهداء الابطال الذين سبقونا في معارك التحرير منذ ما قبل النكبة، وحتى انطلاقة الثورة الفلسطينية في العام 1965، وكل شهداء الفصائل والانتفاضات والهبات والمقاومة الشعبية التي لم تخبو حتى اليوم، وعلينا تحسين شروط الانخراط بها، وليس منارتنا التقاتل والاحتراب والتشاتم الداخلي، ونسيان العدو الرئيس الذي يحتل أرضنا وسماءنا وبحرنا.