أردنيون يستحقون التقدير

حمادة فراعنة.jpg
حجم الخط

من بين باقة متنوعة من المقالات الصادرة حول استقالة ريما خلف المشهودة، كان لافتاً تعليق زميلها في الجامعة والوزارة مروان المعشر حيال الوقفة المشرفة للأمين التنفيذي لمنظمة الاسكوا، ليس فقط إزاء ازدواجية المعايير السائدة في الأمم المتحدة، وإنما عاب على السياسة الرسمية الأردنية، حتى لا أقول بصراحة إزاء «الدولة» التي تجاهلت ريما خلف، وغضت الطرف عن دورها ومكانتها، وهي حصيلة نجاحها في الداخل الأردني والخارج الدولي.
المعشر لم يذكر أنه عانى بذاته من نفس السياسة الرسمية التي لم تتجاهله فحسب، بل وتتقصده من خلال أدوات إعلامية استهدفت المس به شخصياً ووطنياً ومهنياً، إلا أنه كان كمن يُعبر عن معاناته، ويشكو بمرارة، تماماً على نحو ما هو عليه الحال مع غيره ممن عملوا بصمت خارج الأردن وما زالوا للآن كطالب الرفاعي مثلاً، وكما كان عليه وضع عون الخصاونة الذي وصل إلى أعلى المواقع المهنية دولياً، قبل أن يصل إلى موقع رئاسة الحكومة التي رحل عنها بسبب خلافات وتباينات لم يستطع التكيف معها أو القبول بها.
وإذ أذكر ريما خلف ومروان المعشر على وجه الخصوص، ومن قبلهما كوكبة من رجالات الأردن الرائعين، وان أنوُه بنجاحاتهم على المستوى الدولي من خلال المناصب الرفيعة التي شغلوها في الخارج، تلك النجاحات التي جعلتنا نتباهى بهم ونرفع رؤوسنا عالياً بمساهماتهم، فإنه لا يفوتني أن أذكر أيضاً أن هؤلاء، ومن في سويتهم المهنية والعلمية، يستحقون المكافآت بأعلى الأوسمة من بلدهم ودولتهم وأبناء مجتمعهم.
كما أتحدث هنا عن زملاء أعزاء صرفوا جهوداً ثمينة، ووقتاً غالياً، وفرضوا حضوراً أسهم إيجاباً في خلق فرص عمل ومكانة لائقة للأردن وللأردنيين، ولكنهم كانوا مثل الأنبياء الذين لا كرامة لهم في بلدانهم، ولا ثواباً أو تقديراً لهم، دون أن يعني ذلك أنني أتفق معهم، أو انسج على غزلهم، وقد لا ينظرون لي ولتجربتي مثلما أنظر اليهم، وقد يفاجأ بعضهم أنني أدعو لهم بالجميل الذي يستحقونه، لقاء ما حققوه لأنفسهم من سمعة طيبة، وما نالوه من احترام مهني، ومكانة مرموقة على المستوى العربي والدولي.
من أمثال هؤلاء مروان الفاعوري من خلال تمسكه بالوسطية ومؤتمراته الجمعية، وعريب الرنتاوي ودوره الإعلامي وقدرته على التوصل إلى تفاهمات بين مختلف القوى المتنافرة، ونضال منصور من خلال مركز حرية وحماية الصحافيين، ورنا صباغ ودورها الإعلامي المهني والاستقصائي، وثائر عياش صاحب مبادرة مركز فريد من نوعه في العالم العربي (مركز الاستكشاف والمغامرة).
بل دعوني أذكر كذلك بشجاعة ودور رجال أمثال رحيل الغرايبة وسالم الفلاحات وعبد المجيد الذنيبات في لفظ الإرهاب والتطرف والعدمية والانغلاق، وفي التصدي للعقليات العرفية الحزبية الضيقة لدى أكبر حركة سياسية في بلادنا، تلك الحركة المصنفة كامتداد لأقوى وأكبر حركة سياسية عابرة للحدود في العالم العربي، فدور هؤلاء الرجال الأفذاذ يجب أن يثمن في حياتهم، وليس إثر رحيلهم بعد عمر طويل.
على الصعيد الشخصي، أديت دوراً مهما بدا متواضعاً لدى البعض، لكنني احسب انه بالغ الأهمية، حيث سعيت من خلال موقعي ومكاني كمواطن إيجابي، وككاتب صحافي، وسياسي يساري وأردني وفلسطيني، إلى خدمة الأردن وفلسطين سواء بسواء، ومع ذلك لا أشعر بالنقص أو الاجحاف بحقي، نظراً لأن شعبنا كافأني بعضوية مجلس النواب كما يقول زميلي في البرلمان وصديقي في الحياة الوزير غالب الزعبي، ولكنني أدعو للأصدقاء الذين ذكرتهم بالتكريم المستحق، وبحسن التقدير والرفعة، وأرجو أن يكونوا في المواقع المتقدمة المفيدة، التي تنعكس على مكانة الأردن وعلى سمعته ودوره.
ان تقدير المبدعين والرواد، وكل ذي يد بيضاء من ابناء هذا البلد المعطاء، هو حق لا مناص منه، وهو دين واجب الوفاء، على الدولة والمجتمع سداده في الوقت الصحيح، فهؤلاء بمثابة رأسمال اجتماعي مضاف، يضاعف من وزن الاردن ومن قيمته، باعتبارهم طليعة متفانية تستحق العرفان من مؤسسات صنع القرار، كل في مجاله وحسب سمو دوافعه ورفعته المهنية وإنجازاته الملموسة.
نحن بطبيعة الحال مختلفون كبشر، وهذه هي سمة أصيلة من سمات الحياة، ولازمة من لوازم حيويتها وجدلها الموضوعي، بل وتقع في صلب طبيعة التكوين الاجتماعي، ما يملي علينا أن نتحلى بقيم التعددية دائماً، وأن ندرك أن الآخر ليس أنا، ولن أكون مثله على الاطلاق، مهما تقاربت الرؤى أو تباعدت الاجتهادات، أي انه لا مجال للأخذ بالحسابات الصغيرة، أو التوقف عند المسائل الجزئية والثانوية، طالما أن غايتنا المشتركة غاية سامية، احسب أنها ملزمة للجميع على كل المستويات، كمواطنين علينا واجبات ولنا حقوق.
ولذلك أضم صوتي إلى صوت كل الذين دعوا بإلحاح إلى الوقوف إلى جانب ريما خلف، بنت الأردن التي ترفع الرأس، وتكريمها على رؤوس الأشهاد، بمنحها الوسام التي استحقته بكل جدارة دون تأخير، لعل ذلك يقدم تعويضاً لائقاً لكل الذين سبقوا هذه السيدة المحترمة على دروب الجدارة والاستحقاق.