أعلنت اللجنة المركزية للانتخابات عن فتح باب الترشح للانتخابات المحلية من 3/28 الى 4/6 وحددت يوم 5/13 موعداً للاقتراع. الانتخابات ستقتصر على الضفة الغربية، بعد ان فشلت الجهود التي بذلتها لجنة الانتخابات وغيرها لاجرائها في قطاع غزة ايضا.
احتمالات الإلغاء او التأجيل أصبحت بعيدة، وربما جداً، لكنها لم تنتفِ تماماً. قد يحصل التأجيل بسبب تطورات وعوامل سياسية تفرض نفسها، أو استجابة لضغوط خارجية، او لعوامل طارئة او خارجة عن الإرادة.
لكن للأسف فلا يبدو في الأفق احتمال ان يكون سبب التأجيل إعطاء الفرصة لمؤشرات جدية وواقعية لتفاهم داخلي فلسطيني يحاصر الخلافات باتجاه وقف تداعيات وتعبيرات الانقسام وتعمقها.
اذا ما انعقد لواء الانتخابات فإنها لن تكون بالتأكيد الانتخابات المتمناة، حتى ولو سارت وتمّت بشكل طبيعي ديموقراطي نزيه وشفّاف. ستكون انتخابات منقوصة إنْ باقتصارها على الضفة الغربية وإنْ لمقاطعة قوى أساسية لها. ولن تكون الانتخابات التي ينتظرها الناس وتعبر عن هواهم
وطموحهم، ولن تُحدث تغييراً في واقع النظام السياسي الفلسطيني العام.
ولن تشكل المؤشر على انفتاح طريق الانتخابات بكل تنوعها على مصراعيه الذي يتطلع اليه الناس.
ومع ذلك فان النجاح في إجراء الانتخابات المزمعة بموعدها يبقى انجازاً، مهما كان محدوداً، اذا ما قورن مثلاً مع الانتخابات التشريعية، فهو على الأقل يحدث شرخاً ولو محدوداً في جدار «تابو» رفض مبدأ الانتخابات والهروب منها ومن استحقاقاتها.
لا بد من الاعتراف، بوجود هذا الـ «تابو»، وقد كرّسه النظام السياسي الفلسطيني بكل تنظيماته ومكوناته، وان بدرجات متفاوتة من الدفع ومن المسؤولية.
باستثناء انتظام الانتخابات في بعض المواقع واهمها الاتحادات الطلابية الجامعية في الضفة، فان تابو الهروب من الانتخابات لا يقتصر على الانتخابات التشريعية، بل هو يمتد ليشمل الانتخابات المحلية وانتخابات الاتحادات النقابية والشعبية وكافة تشكيلات المجتمع المدني وصولا الى الحياة الداخلية للتنظيمات نفسها وانتظام ودورية انتخاباتها.
ومع التأكيد على عسف الاحتلال وتسلطه وتدخلاته، فلا يمكن الاتكاء عليه كعامل وحيد لوجود هذا التابو يلغي مسؤولية النظام السياسي الفلسطيني الأساسية في تشكله وتكرسه.
نتائج التابو لا تحتاج الى كشافات تفتيش لاكتشافها، فهي شديدة الوضوح وواسعة الانتشار: من التكلس يطال الهيئات والأشخاص، الى الشيخوخة تضرب مفاصل الهيئات والأشخاص وتعيق حركتها وتطورها، الى غياب الشباب عن المشهد والفعل، الى غياب التجديد الذي هو سنة الحياة وإكسير الحركة والنشاط والإنتاجية الى...الى...
التابو المذكور يشكل، في اول درجاته واهمها اعتداءً على واحد من اهم حقوق الناس، حقهم في اختيار من يمثلهم ويقودهم وفي المحاسبة والتغيير الديموقراطي.
تتنوع الأسباب والخلفيات وراء رفض الانتخابات والهروب منها: فهناك من يرفضها لقناعة مبدئية فكرية لا تؤمن بها أسلوبا لتداول المسؤولية والسلطة والخضوع لحكم جمهرة الناس، وهناك من يرفضها تمسكا بمواقع وصل اليها في ظروف معينة ويريد ان يبقيها بعيدة عن حكم الناس واحتمال تغير موقفهم وانحيازهم، لتبقى حكرا موقوفا عليه.
وهناك كثيرون يرفضون الانتخابات هروبا من انكشاف حجومهم الحقيقية ودرجة حضورهم بين الناس وما سيحصلون عليه من اصوات، بما يحرمهم ربما من مواقع ومسؤوليات اكتسبوها عن طريق تفاهمات ومساومات نهج التوافق السائد.
بالعودة الى الانتخابات المحلية المزمعة في أيار المقبل، فانه من الطبيعي ان تقرر قوة سياسية معينة، او اي جهة، مقاطعتها لأسباب محددة تتعلق ظرفيا وحصرا بتلك الانتخابات. ويبقى ذلك حقا تصونه لها الأعراف والقواعد والممارسة الديموقراطية. ومن الطبيعي والحق أيضا لتلك القوة القيام بنشاط جماهيري تعبوي سلمي وديموقراطي وموضوعي يدعو الى مقاطعة المشاركة بالانتخابات سواء بالدائرة المحددة أو على المستوى الوطني، وسواء كانت دعوة المقاطعة مقتصرة على الترشح او عامة وشاملة.
لكن من غير المقبول ولا المفهوم بحال، ان تقرر قوة معينة منع الانتخابات في المناطق او الدوائر الانتخابية التي تملك فيها القدرة على فرض المنع بالغصب ودونما التفات لإرادة الناس. مستفيدة ومستعملة لذلك مصادر قوة إدارية وأمنية توفرت لها في ظروف معينة.
ان هذا المنع بقدر ما هو تعدٍ على الديمقراطية وعلى حق الناس في تقرير مواقفهم تجاه المشاركة والتصويت، فانه تعبير شديد الخطورة على خرق وحدة النظام السياسي لا تبرره كل الحجج والأسباب، بالذات وهو يحصل بقوة السيطرة الأمنية.
هل بقي مجال يتسع لصوت الحكمة والعقل والمسؤولية الوطنية لنخرج من هذا القطوع باتجاه انتخابات ديموقراطية حرة ونزيهة يشارك فيها الجميع حتى لو تطلب الأمر تنازلات متبادلة. فالوضع العام لا يتحمل هذه الإضافة، حتى لو كانت محدودة بنظر البعض، فما لدينا يكفي ويزيد.
***
لجنة التحقيق التي شكلها مجلس الوزراء والخاصة بالأحداث التي وقعت أمام مجمع المحاكم في رام الله ( 12/ 3)، أنجزت مهمتها بكفاءة واقتدار وفي زمن معقول.
تقرير اللجنة جاء واضحاً صريحاً ومهنياً، وخلص الى توصيات محددة عقابية وعامة. المهم الآن كيف يتم التعامل مع التوصيات وكيف تكون طريقها الى التنفيذ.
التحية الحارة الى اللجنة.