تجلسُ الثلاثينيّة فاطمة الحلولي داخلَ محلٍ متواضع افتتحتهُ مؤخراً لصيانة الجوالات في حي الشجاعيّة وسط مدينة غزة، منكفئةً للعمل بجدٍ لتصليحَ الجهاز الخلويّ الذي تركهُ أحد الزبائن بين يدها لتقومَ بإصلاحه إثر عطب مفاجئ.
كل هذا وفاطمة لا يعجزها بترَ قدمِها اليُسرى نتيجةَ خطأٍ طبي قديم تعرضت له فور ولادتِها، أحدثهُ الأطباء أدى لحصول ما يسمى " خلع الولادة" وتسلُل مرض الغرغرينا لساقها وهي في السابعة من العُمر، لم يمنعها من أن تُلاحق شغفها، بأن تُنهي دراستها الجامعيّة وتتخرج حاصلةً على شهادة تؤهلُها لسوق العمل.
أنهتْ الحلولي دراستها الجامعيّة بحصولها على شهادة خدمة اجتماعيّة، تقول ببسمة لم تُفارق محياها:" اخترتُ دراستي الجامعيّة وتخصصي دون أن أشعر بالعجز أو النقص، تحديتُ إعاقتي ومارستُ الرياضة، ومؤخراً قررتُ أن أتحدى كل المُعيقات من حولي وأفتتح محلاً لصيانة الأجهزة الخلويّة".
في سن الخامسة عشرة تمكّنت من تركيب طرفٍ صناعي في مركز الأطراف الصناعيّة بغزة، أتمّت بعده دراستها الجامعية بقسم الخدمة الاجتماعيّة من كلية المجتمع للعلوم التطبيقية في غزة ملتحقة في العام 2008 باللجنة الرياضية "للمعاقين حركيًّا" وذلك لأنها تميّزت في المجال الدراسي خلال دراستها الجامعية، ما دفع الإدارة لقبولها مباشرة بعد أن اكتشفت العديد من المواهب التي تُعتبر مكسبًا مهمًّا لها.
لم تهِن الحلولي ولم تجزع، ماذا سيقول المجتمع من حولها؟ فتاة تفتح محلاً لصيانة الجوال؟ كان أول ما حُوربت به " كيفَ تستطيع"؟ " لن تقدِر " ، "خلصوا الرجال" ؟، كان الناسُ من حولها ما بين مؤيد ومعارض، لكنها تجاوزت هذه التحديات عبرَ تشجيع الأهل والاصدقاء من حولها.
عن بداية مشوارها، تُكملُ بعدَ سكوتٍ جالت خلاله بنظرها للمكان من حولها :" عندما بدأت الفكرة تتولد عندي بافتتاح محلٍ للأجهزة الخلويّة، كنتُ قد قررتُ مُسبقاً تحدي العادات والتقاليد والمجتمع من حولي، وإعاقتي الجسديّة، لأحترفَ صيانةَ الأجهزة الخلويّة، لأكونَ بذلك أولَ فتاةٍ تخوضُ غمارَ هذه المهنة".
لم تُنكر الحلولي أن البداية كانت صعبة عليها، طارحة تساؤل راودها وراودَ العديدَ ممن حولها "كيفَ لفتاةٍ تُعاني من إعاقةٍ جسديّة، أن تفتحَ محلاً وسطَ حيِّ شعبيًّا؟"، مؤكدةً أن ذلكَ كُلهُ لم يقف عائِقاً أمامها، بل تزايدت أعداد الوافدين إليها من الزبائن، لما يلاقونه من ارتياح لأسعار الأجهزة والصيانة عندها، بخلاف المحال التجاريّة الأخرى.
في القصّة جانب من المعاناة لا يُمكن إهمالُه، ففاطمة تقوم بتغيير الطرف الصناعي لقدمها اليسرى كل سنتين تقريباً، ومن نفقتها الخاصة ما يُشكّل عبئًا إضافيًّا عليها، باحثةً عن طريقةً تُساعدها بتركيب طرف صناعي في الخارج حتى تستطيع أن تتحرّك بشكل طبيعي، وهذا لعدم توفّر الإمكانيات المطلوبة في قطاع غزة، ونقص الأدوات الصحية المتطوّرة.
كان لوضع عائلة الحلولي نصيباً من هذا المشروع، فقد افتتحتهُ أيضاً رغبةً منها للعمل على تحسن وضع عائلتها الاقتصادي والاجتماعي، فقد شقت طريقها إليه عبر ممارسة الرياضة منذُ صغرها، إلى أن شاركت مؤخراً في دورة الألعاب العربية في قطر عام2011 حاصلةً على المرتبة الخامسة، مما أعطاها الثقة بالنفس والصبر على جميع المشاكل التي تواجهها.
ختمت الحلولي حديثها بقولها:" لن يتوقف حُلمي على هذا المشروع فحسب فأنا أطمح لتوسعته لُيصبح أكبرَ وأكثر ثقة لدى الزبائن، فيما أمارس الآن الرياضة على أملِ أن أشاركَ في أولمبيات لندن الذي تمنعها منه إغلاق المعابر".