بحسب تقارير إعلامية من المتوقع أن تعلن حركة "حماس" في أي وقت، عن وثيقتها الجديدة السياسية، ويتركز الانتباه كما يبدو على المواقف السياسية للحركة بشأن أمور مثل الدولة الفلسطينية، والعلاقة مع الإخوان المسلمين، وهي أسئلة تثير قوى دولية وإقليمية أسئلة حولها. والمأمول أن لا يتوقف الأمر عند ذلك، فهناك حاجة إلى ما هو أكثر من ذلك. والواقع أنّ هناك نقصا لدى كل الفصائل في تبيان أمر مهم، وهو آليات تحقيق الأهداف، في سياق عالم متغير، وهي الأسئلة التي تهم الفلسطينيين أنفسهم.
قبل أشهر سألتُ قادة من الصف الأول، في كل من "فتح"، و"حماس" والجبهة الشعبية"، و"الجبهة الديمقراطية"، عن برنامجهم السياسي، وفي حين قال مسؤولو "حماس" إنّ الوثيقة ستصدر قريباً، قال الآخرون إنّ لديهم وثيقة، ولكن الأمر يبدو غامضاً وفضفاضاً، خصوصاً في حالة حركة "فتح"؛ فبحسب مصادر الحركة، ومؤتمرها العام، هناك من يقول إنّ خطاب رئيس الحركة، الرئيس الفلسطيني محمود عباس في المؤتمر، هو برنامج الحركة، علماّ، أنه في الأيام الأخيرة للمؤتمر كان يجري تطوير وثيقة لتكون برنامجا سياسيا، وكان الاهتمام بها في أروقة المؤتمر أقل من أي وثيقة أخرى، ولا يبدو أنها خضعت لنقاش أو نالت اهتماما يذكر، أو أنها نشرت وعممت بشكل واضح.
يدور الحديث عن إعلان وثيقة "حماس" الجديدة منذ سنوات، وبقراءة التغطيات الإخبارية عن الوثيقة (التي لم تعلن رسميا حتى كتابة هذه السطور على الأقل)، يتضح أنّ "حماس" معنية بالقول إنّه لا مفاجآت ولا جديد، وأن ما سيتم إعلانه "لا يعدو كونه ورقة تستند إلى موروث الحركة السياسي دون انتقاص من ثوابتها إزاء القضايا الجوهرية للصراع مع إسرائيل"، كما نقلت قناة الجزيرة، عن قيادات في الحركة. وفي المقابل يسارع خصوم الحركة، لمحاولة إثبات أنّها تراجعت، وتقبل بحل الدولتين.
هناك مشكلة في تطور أفكار ورؤى مختلف الفصائل الفلسطينية، إذ أن هذه الفصائل في بدايتها تركز على مخاطبة الشعب الفلسطيني، ثم عندما تنخرط في السياسة الرسمية الدولية، يصبح جل اهتمامها تقديم مواقف تستجيب لأسئلة ومتطلبات القوى الإقليمية والدولية.
لا يجب أن يكون مطلوباُ، من "حماس" إعلان موقف واضح من حل الدولتين، فمسألة الاعتراف بإسرائيل وغيرها من أمور تُعنى بها القيادة الرسمية، التي هي قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وإذا ما أصبحت الحركة، يوماً قائداً للمنظمة، يصبح مطلوباً منها تقديم مواقف محددة حينها. ويجب تذكر أن غالبية الأحزاب والقوى السياسية الممثلة للائتلاف الحكومي الإسرائيلي لا تعترف بوجود الشعب الفلسطيني أو بفكرة حل الدولتين.
على العكس من ذلك فإنّ توضيح علاقة "حماس" مع الإخوان المسلمين، ومع القوى السياسية المختلفة أمر أساسي، لأنهما أمر يهم كل فلسطيني معني بالحركة، ولانّ هذه العلاقة تعكس جزءا من تصور الحركة لمستقبل فلسطين والعمل الفلسطيني، وموقفها من كثير من الأحداث العربية الجارية.
ما يجدر "بحماس" وغيرها من الفصائل طرحه، هو مبادئ وأطر عمل واضحة قدر الإمكان لتحقيق الأهداف الفلسطينية، ومثلا إذا كان برنامج "حماس" يتضمن موقفاً يرى أنّ فلسطين واحدة موحدة، وشعبها واحد، فيجب أن تطرح خطط عمل لكل ذلك، فمثلا لا يمكن معرفة خطة عمل "حماس" أو أي فصيل آخر، بالنسبة للأراضي المحتلة عام 1948 والفلسطينيين هناك. بالمثل فإنّ تبني "فتح" رسمياً عودة اللاجئين يفرض خطط عمل واضحة، إلا إذا كان التفاوض هو السبيل الوحيد.
ما تطرحه "حماس"، كما تقول الجزيرة، يتضمن نقاشاً على قاعدة أنّ قضية المقاومة "لا تتسع لدى البعض إلا لمفهوم المقاومة المسلحة للاحتلال الإسرائيلي"، وهذا إشارة للمفهوم الشامل للمقاومة. والواقع أنّ الإخوان المسلمين، الذين انبثقت منهم "حماس" تبنوا طويلا وسائل عمل أخرى سوى المقاومة المسلحة، والأمر بالتالي ليس جديدا، بينما لم يتم التركيز على المقاومة المسلحة لدى حماس إلا مطلع التسعينيات، عندما تراجع تركيز فتح عليها. وما هو مطلوب من كافة الفصائل، ليس فقط موقفا من أدوات المقاومة بالمعنى العريض (مسلحة وغير مسلحة)، بل أيضاً تطوير آليات تلائم العصر، من حيث متغيرات النظام الدولي، وعصر مجتمع الشبكات والإنترنت، وأدوات القوة الجديدة، وأشكال التنظيم السياسي العالمية الجديدة، وبما يصل لمختلف الأهداف الوطنية، وليس حصر النشاط في ساحات دون أخرى.
عن الغد الأردنية