منذ أقام دافيد بن غوريون لحزب «رافي» في العام 1965، وهو حزب الوسط الاول في اسرائيل، ظهر الكثير من الاحزاب من هذه الزاوية. ولم يستطع أي حزب منها الحفاظ على قوته في الولاية الثالثة. فقد تم ابتلاع معظمها في الاحزاب الاخرى، أو أنها اختفت. وحالة «يوجد مستقبل»، حسب الاستطلاعات، ستكون مختلفة. على هذه الخلفية يمكن القول بأنه في السنوات الاخيرة منذ اقالة يئير لبيد من منصب وزير المالية فقد نجح في البرهنة على خطأ الادعاء الاساسي ضده، وهو أنه ليس جديا بما يكفي، وأنه لا «يفهم» كفاية، مثلما قال بنيامين نتنياهو عندما أقيم حزب «يوجد مستقبل». لا يمكن أن يكون «لا يفهم» ويصل الى مكانة سياسية واعدة طوال هذا الوقت.
إن السياسة هي مهنة، ويجب الاعتراف بأن لبيد هو شخص مهني. إن بن غوريون وشمعون بيريس ومناحيم بيغن لم يكن بامكانهم النجاح في تحقيق جزء من أهدافهم لو لم يكونوا مهنيين في مجالاتهم. لأن الايديولوجيا والنوايا غير كافية. براك اوباما، مثلا، حكيم ولامع، لكن نجاحه السياسي مشكوك فيه، وهو يتحمل المسؤولية الى حد معين عن صعود دونالد ترامب.
إن الكثيرين رغم ذلك، لا سيما في اليسار المثقف، وفي اليمين ايضا، ما زالوا يتخوفون من لبيد، خاصة بسبب اقواله الضبابية في المواضيع الحاسمة. صحيح أنه في مقابلة أجراها مع «بوليتيكو»، التي اعتبر فيها أنه ترامب اسرائيل، وأنه تقريبا رئيس الحكومة القادم، فانه لم يشذ عن هذا الوصف. ولكن طوال الوقت ولهذا بالتحديد، من الصحيح أكثر تقدير الطريقة التي يلتصق بها الى النص المنتصر، دون الفشل ودون الاغراء. هذا ليس أمرا مفروغا منه، فلبيد الآن هو الشخص الوحيد الذي تمكن من حل لغز الصيغة: كيف يدير ظهره لنتنياهو ويحاربه، وفي نفس الوقت لا يكون مكروها على اليمين. موشيه يعلون مثلا فشل في هذه المهمة، واعتبر العدو الشخصي لنتنياهو. ومن سخرية القدر أنه رغم كونه أكثر يمينية من لبيد، في تصريحاته ومواقفه، فقد كرهه مصوتون كثيرون في اليمين وفي الوسط – يمين، بسبب تصريحاته في موضوع اليئور ازاريا.
يمكن القول إن يعلون تضرر بسبب استقامته، ولبيد يزدهر لأنه يناور في مواقفه، لكن هذا التفسير مريح جدا. وعندما يتم التعمق في التفاصيل فسنكتشف أن لبيد بقي مخلصا لمواقفه الاساسية: في مقابلة مع «بوليتيكو» وعد أنه، خلافا لنتنياهو، ينوي تطبيق حل الدولتين. لبيد يعارض عادة اقتراحات القوانين التي تهدد الديمقراطية، وفي قضية ازاريا ايضا أدرك أمرا عميقا. الى جانب أقلية أيدت الجندي بسبب كراهية العرب العمياء وانعدام الاخلاق، فان تأييد اغلبية الجمهور نبع من مشاعر التضامن الطبيعية مع جندي يعتبر ولداً – حيث أنه خلافا للجدل «جندي أو إبننا جميعا؟»، فان الوضع الهستيري للصراع يسبب ذلك. لأنه في اسرائيل لا يوجد فصل بين الجندي والولد. فالجنود هم أولاد ومحاربون ايضا.
في هذا السياق فان دعوة لبيد لتأييد موقف الجيش الاسرائيلي ومنح العفو في نفس الوقت، لم تكن تملقا أو تحريضا للجمهور كما فعلت ميري ريغف، بل هو ادراك عميق للواقع الاسرائيلي. وخلافا للموقف السائد لدى السياسيين الشعبويين فان لبيد هو خيار جيد لأنه يسعى وراء القاسم المشترك، وليس الانفعالي. وملاحقة القاسم المشترك لا تأخذك أبدا الى موقف لامع أو الى انعطافة، هذا صحيح. ولكن قياسا بالخيارات التي أمامنا فان لبيد يعبر عن نمط قيادي مطلوب: بعض الطبيعية في الحكم.
عن «هآرتس»
الوحدات يتغلب على الجزيرة ويحافظ على الوصافة
27 ديسمبر 2024