القرار الجائر الذي اتخذته السلطة في رام الله و الذي تمثل بخصم العلاوات الاشرافية و بدل المواصلات لموظفي السلطة المقيمين في قطاع غزة هو انعكاس لسياسة مجردة من اي مسؤولية وطنية تتعامل مع هذا الجزء من الوطن على انه حمل زائد يجب التخلص منه و لكن بشكل تدريجي. ليس قرارا عفويا بل هو يأتي ضمن سياق تم اعتمادة منذ ان سيطرت حماس على قطاع غزة بقوة السلاح عام 2007 يهدف الى التحلل من الالتزامات تدريجيا لهذا الجزء المنكوب من الوطن .
منذ ذلك الحين تم اتخاذ العديد من القرارات و التنصل من التزامات جميعها تقود الى استنتاج و احد وهو ضرورة التخلص من هذا الحمل الزائد. و لكي لا يكون الحديث مجرد انشاء و تصفيت كلام، منذ سبع سنوات و ابناء قطاع غزة محرومين من التوظيف في مؤسسات السلطة و محرومين من الترقيات و العلاوات و البعثات و الدورات و العديد من الامور التي تم الحديث عنها عشرات المرات و في اكثر من مناسبة من تفريغات 2005 و حقوق موظفين لمؤسسات حكومية و شبه حكومية اضافة الى قصة شهداء عدوان 2008 التي استغرق سبع سنوات لحلها و لكن على حساب موظفي غزة. للاسف الشديد الربط بين الخصم على موظفي غزة و صرف مخصصات الى اسر الشهداء ليس فقط من خلال التزامن بل هو ما صرح به وزير المالية بعد ان عجز عن ايجاد اي مبرر يمكن ان يكون مقنعا للناس .
الادعاء ان هذا الخصم هو امر طبيعي ووفقا للقانون حيث هؤلاء الموظفين يجلسون في بيوتهم و لا يعملون، هذا القول الجائر هو ذبح بسكين حافية لعشرات الالاف من الموظفين الذين في غالبيتهم العظمى هم قيادات و كوادر و اعضاء في حركة فتح ، جلسوا في بيوتهم بناء على قرار صريح و مكتوب من القيادة الفلسطينية بعدم التعاون مع حماس و ان جميع حقوقهم ستكون مكفولة و من لم يلتزم بهذا القرار تم قطع راتبة نهائيا. لم ارى موظف من هؤلاء سعيد لانه بلا عمل و بلا مهمة بل يشعرون بالقهر و الملل و قلة الحيلة و ينتظرون اليوم التي تزول فيه الاسباب التي جعلتهم يصلون الى هذا الحال. ينتظرون اليوم الذي ينتهي به الانقسام و يعودوا الى عملهم .
الادعاء بخصم علاوات الموظفين لانهم لا يعملون هو عيب و هو غير قانوني و غير اخلاقي و غير و طني، و يجب التراجع عنه لانه قاتل من الناحية الاقتصادية حيث هؤلاء الذين يجلسون في بيوتهم بقرار من السلطة برمجو حياتهم و حياة من حولهم على هذا الراتب. هؤلاء لا يعيلون اسرهم فقط بل يعيلون في اغلب الاحيان اخوتهم الذين يتعلمون في الجامعات و اباءهم و امهاتهم الطاعنين في السن و يتقاسمون راتبهم مع اخوتهم الذين في الغالب بدون مصدر رزق و لا تسترهم سوى الجدران ان وجدت. هذا القرار من الناحية السياسة ينسجم تماما مع وجهة نظر ليبرمان و نفتالي بينت بأن السلطة لا سلطة لها على غزة و ينسجم مع قول اوباما و كيري الذي يتحدث عن تقاسم وظيفي في الضفة و ترك غزة الى اجل غير مسمى.
هذه الخطوة تأتي في احلك الظروف الاقتصادية و الانسانية التي تعيشها غزة من اغلاق للانفاق و ما نتج عنها من بطالة و ارتفاع في الاسعار، و في ظل توقف تام لحركة البناء نتيجة الحصار و ما يتمخض عنه من ارتفاع في عدد العاطلين عن العمل و تفاقم ازمة الكهرباء و ما يتمخض عنها من قهر نفسي و معنوي اضافة الى اضطرار الكثير من اصحاب الحرف و المصانع التى توقفت عن العمل لعدم قدرتهم على توفير البديل مما يجعل من رواتب هؤلاء الموظفين العمود الاساسي لاقتصاد هذا الجزء المنكوب من الوطن.
حل الضائقة المالية للسلطة من خلال توفير بضعة ملايين من الشواقل على حساب الموظف الغلبان المقهور لا يحتاج الى خبراء في الاقتصاد بل يحتاج الى اشخاص معزولين تماما عن الوطن و همومه، لا يدركون الهدف السياسي القاتل لمثل هذه الحسابات التي تعبر عن ضيق افق وفقدان للاحساس.
ان غزة و اهلها هي امانه اولا في عنق الرئيس عباس بصفته رئيسا لهذه السلطة المسؤولة عن تأمين الرواتب لهؤلاء الموظفين و بصفته رئيسا لمنظمة التحرير التي تمثل جميع الفلسطينيين و بصفته رئيسا لحركة فتح حيث الغالبية من المتضررين هم من اعضاء و كوادر هذه الحركة. التاريخ لن يلوم وزير المالية و لن يلوم رئيس الوزراء بقدر ما سيلومك انت كرئيس لهذه السلطة.
ليس من العيب التراجع عن هذا القرار بل من العيب الاستمرار في تنفيذه لانه سيعمق الجرح و يعزز ما يعتقدة الكثيرون بأن هناك من يتعامل مع غزة على انها عبئ ثقيل يجب التخلص منه. ليس من العيب ، و لم يفت الوقت بعد بضرورة اعادة النظر في كل السياسة التي اتبعت خلال السنوات الماضية تجاه قطاع غزة.
و لان كل ما يحدث هو نتيجة لحالة الانقسام فأن الجهد يجب ان يكرس لاتمام المصالحة و اعادة اللحمة الى جزئي الوطن. ان من يعتقد ان تشديد الخناق على غزة و اهلها سيؤدي الى الانفجار في وجه حماس و يبني سياسته على هذا الاساس فكأنه يقول لغزة اغرقي بدمائك كما تشائين.