عندما وقع الإنقلاب الحمساوي على الشرعية الوطنية في اواسط حزيران 2007 إرتكب بعض المسؤولين خطيئة اصدار قرار وقف الموظفين في المحافظات الجنوبية عن العمل تحت طائلة المسؤولية وترقين قيودهم. حتى ان بعض المسؤولين تعجل وقف رواتب الموظفين في غزة قبل إتضاح الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وقبل ان تثبت التهمة عليهم في الالتحاق بالعمل من دونه. وهناك بعض الموظفين مدنيين وعسكريين يعانون من التقارير الكيدية حتى الآن. ورغم تحفظات الكثيرون من الموظفين والمسؤولين على التوجه غير الصائب والمجحف، إلآ ان الاتجاه السائد آنذاك أصر على التقيد بالقرار. ومع ذلك إلتزم الموظفون بالقرار، وإنحازوا لقيادتهم الشرعية، ووقفوا خلفها دون تردد او تعلثم. ليس هذا فحسب، بل انهم مع جماهير الشعب خرجوا في تظاهرات عظيمة في 12 نوفمبر/ تشرين ثاني 2007، اي بعد خمس اشهر من الإنقلاب الحمساوي، وأعلنوا رفضهم له، والمرة الثانية في 4 يناير / كانون ثاني 2013 خرجوا كما لم تخرج جماهير الشعب من قبل، لتأكيد وقوفها خلف قيادتها الشرعية، وإلاعلان عن رفضها للإنقلاب الإخواني. وخرجوا بالأمس القريب في نهاية 2016 في مظاهرات صاخبة ضد سياسات حركة حماس.
بتعبير اوضح الموظف الفلسطيني في قطاع غزة، كان الحاضن لقيادته الشرعية، ولم يتخلَ عنها، او يتردد في الدفاع عنها. ومع ذلك في اعقاب المظاهرات غير المسبوقة في 2013، قامت الجهات الرسمية بخصم علاوة المواصلات، وأوقفت عنهم نظام الترفيع، وإضافة ابناءهم وعلاوة الشهادة الجامعية ... إلخ، حتى بدى كأن هذا الخصم جاء ردا على تمسكهم بالشرعية الوطنية. ومع هذا لم يتراجعوا عن مواقفهم الداعمة لقيادتهم. وظلوا متمسكين بها، وتحدوا حركة الإنقلاب الحمساوية بشكل يومي.
لكن بالأمس عندما ذهبوا للبنوك لإخذ رواتبهم، أصابتهم الصدمة عندما تبين لهم خصم 30 % من رواتبهم دون سبب مقنع. لاسيما وان الخصم إقتصر على ابناء قطاع غزة من المدنيين والعسكريين، وكأنهم باتوا عبئا على السلطة الوطنية، وهم ليسوا كذلك. بل هم سند وركيزة اساسية لدعم الشرعية الوطنية بقيادة الرئيس محمود عباس. ومن يريد ان يرد على حركة حماس بإجراءات قاسية، لا يبدأ بإطلاق النار على قدميه، لإن الخصم من رواتب الموظفين في محافظات غزة، يعني مباشرة تصويب الرصاص على اقدام الشرعية. وهنا يبرز أكثر من سؤال: لماذا لجأت الحكومة لهذه الخطوة؟ وهل الأزمة المالية لا تحل إلآ بالخصم على ابناء القطاع دون زملائهم في الضفة والقدس والشتات (السلك الديبلوماسي والموظفين في مؤسسات منظمة التحرير) ؟ وما هي الحكمة من ذلك؟ هل هذا يعزز موقع الحكومة والقيادة في اوساط الشعب؟ وهل هذا يساعد في طي صفحة الإنقلاب الأسود على الشرعية؟ وهل هذا يساعد في تمتين وحدة حركة فتح وتصليبها ام يعطي الآخرون فرصة الإنقظاظ عليها؟ وهل يجوز في ظل إشتداد التحديات المنتصبة امام القيادة في الداخل والخارج القيام بهذه الخطوة غير الحميدة والمرفوضة؟ ومن الذي نصح جهات الإختصاص بها؟ ما هي معاييره ودوافعه؟ أليست هذه الخطوة شكلا من اشكال التمييز وتعميق الغبن والظلم الواقع على ابناء القطاع؟ ألآ يكفي ابناء القطاع الكم الهائل من النكبات والألآم والضرائب والمصائب والحروب، حتى تأتيهم نكبة خصم الراتب؟ والآ تعني عملية الخصم إتهام مباشر لإبناء غزة، بأنهم جزء من الإنقلاب او إعتبارهم محسوبين على حركة الإنقلاب الإخوانية؟ وهل يجوز ذلك من قبل الحكومة الشرعية؟ هل يجوز مكافأة غزة البطلة والحاملة تاريخيا للهوية الوطنية بالعقاب الجماعي؟
في كل الأحوال أتمنى على الأخ الرئيس ابو مازن شخصيا التدخل المباشر مع الحكومة لإعادة الرواتب للموظفين في القطاع فورا، ليس هذا بل وإعادة كل الخصميات، التي فرضت عليهم، وإنصافهم، لإنهم دفعوا ضريبة الإنقلاب الحمساوي مضاعفة، فهم من تحمل وقع صدمة الإنقلاب، وإستمراره وسياساته وإنتهاكاته لهم في مأكلهم ومشربهم، وفي حريتهم وحركتهم وسفرهم وفي تفاصيل حياتهم. وايضا لإن إستمرار الخطوة غير المسؤولة، يعني تعميق الإنقلاب الحمساوي، والتأصيل له، وليس العكس. وهذا الإجراء لن يدفع المواطن للعصيان، ولا يخدم وحدة النسيج الوطني والإجتماعي، بل يؤدي لنتائج عكسية 100%. وللتأكيد على الشعار المطروح، والذي أكد عليه الأخ الرئيس ابو مازن " لا دولة في غزة، ولا دولة بدون غزة"، تملي الضرورة وقف القرار فورا ودون تردد. والعمل بمنطق المساواة بين كل موظفي السلطة الوطنية في الوطن كل الوطن. والرهان دائما على حكمة ورشاد رأي وحرص الرئيس عباس على ابناء الشعب جميعا وخاصة في القطاع الحبيب.