على ماذا تقوم موجة التفاؤل والإيجابية؟

c3442946c03c906349ebd2431bde0c66.jpg
حجم الخط

 

 

 

في لقائه مع الرئيس الأميركي ترامب، الثلاثاء الماضي، قال الرئيس السيسي: إنه ومصر "داعمان وبشدة لكل الجهود التي ستبذل من أجل إيجاد حل لقضية القرن (القضية الفلسطينية) في صفقة القرن، وأنا متأكد من أن الرئيس (ترامب) سيتمكن من إنجازها".
ما قاله الرئيس السيسي يعبّر بشكل عام عن موجة من التفاؤل والإيجابية العالية التي تسود مواقف وأقوال القادة العرب تجاه العلاقة مع الرئيس الجديد وسياساته المرجوّة تجاه المنطقة والعلاقة مع دولها، وكذلك نحو الصراع العربي الفلسطيني مع دولة الاحتلال.
موجة التفاؤل هذه تذكر بموجة التفاؤل الأعلى التي رافقت وصول الرئيس الأميركي السابق أوباما إلى البيت الأبيض، بالذات بعد خطابه الشهير في جامعة القاهرة ووعوده المهمة التي أطلقها حينذاك.                                                                            
للتذكير فإنه لم يتحقق من تلك الوعود شيء يذكر، بل بالعكس ربما زادت الأمور سوءاً، لا فرق سواء كان ذلك بسبب نكث الرئيس أوباما لوعوده، أو لعدم استطاعته تنفيذها لأسباب داخلية أساساً، وللتذكير أيضاً، إن أحد أسس سياسات الرئيس الأميركي الجديد ترامب تقوم على نقض ومعارضة سياسات الرئيس أوباما، بالذات لجهة درجة حميمية وتوافق العلاقة مع دولة الاحتلال والدعم لها والدفاع عنها في كل المجالات. 
موجة التفاؤل والإيجابية العالية سبقت لقاءات عدد من الرؤساء العرب مع الرئيس ترامب وعبرت عن نفسها في أجواء ونتائج مؤتمر القمة الأخير الذي عقد في عمان أواخر الشهر الماضي. 
حتى الآن، لا تغيرات تذكر في السياسات التي أعلن الرئيس الجديد التزامه بها في حملته الانتخابية وبدايات وجوده في البيت الأبيض تجاهنا كعرب، ولا مؤشرات جدية على قرب أو إمكانية حصولها، بما يوفر أساسا موضوعياً لموجة التفاؤل والإيجابية العالية.
يظهر ذلك بشكل خاص وأساس، في عدم حصول تغيير جدي ومؤثر في الموقف من موضوع الاستيطان، بالتحديد لجهة وقفه أو حتى تجميده لفترة محددة (فترة العودة للمفاوضات التي يدعو لها مثلاً)، ويظهر في عدم حصول تغيير جدي ورسمي في موضوع نقل مقر السفارة الأميركية إلى القدس. كل ما في الأمر، حصول بعض التأخير من أجل دراسة أعمق للخطوات التنفيذية والتحضير المناسب لها وربما بعض التدرج بها. وقد فرض التأخير قوة ودرجة شمولية الموقف المقاوم لمبدأ وقرار النقل. ويؤكد عدم حصول تغيير في هذا الموضوع اعتماد الكونغرس تعيين السفير الأميركي الجديد في دولة الاحتلال (فريدمان) الصهيوني المشهور بتأييده الاستيطان بلا حدود، والمتحمس لنقل السفارة إلى القدس. 
ويظهر عدم التغيير أيضاً، في سياسات ومواقف بدأت الإدارة الأميركية اتخاذها فعلاً في نصرة دولة الاحتلال والدفاع عنها ضد أي تعرض لها ومناهضة لسياساتها العنصرية والقمعية في أي من المنظمات الدولية. وتتم المجاهرة بهذه السياسة بشكل شديد الفظاظة والانحياز.
دولة الاحتلال، تتجاوز في استقبالها للرئيس الأميركي الجديد، المؤشرات إلى التنفيذ الواقعي لسياسات وممارسات عنصرية ودموية تقود إلى التشاؤم، بل والإحباط، وبشكل يناقض موجة التفاؤل المشار إليها. 
تعبيرات دولة الاحتلال في تعاملها مع الرئيس الأميركي الجديد أكثر من أن تعد وتحصى، وكلها تقوم على الترحيب العالي بقدومه وعلى كافة المستويات الرسمية والحزبية والمجتمعية. وعلى التفاؤل العالي بدعمه وتأييده لها بكافة المجالات وبمستويات غير مسبوقه. وكلها تقوم أيضاً، على الاطمئنان إلى ثقل تمثيل وتأثير أنصارها ومؤيديها في مركز الإدارة الجديدة نفسها، إلى جانب نفوذها في المؤسسات الرسمية والهيئات المجتمعية.
من تعبيرات التعامل مع قدوم الرئيس الجديد، الاستمرار بالاستيطان على نفس الوتيرة، وإعلان قرار الحكومة بناء مستوطنة جديدة، إلى جانب التوسع في بناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة. ومنها الاتجاه لتشريع الاستيلاء على الأراضي ذات الملكية الخاصة في الأراضي المحتلة والتصعيد والإسراع في سياسة هدم المنازل، وأحدثها قرار هدم كل منازل تجمع الخان الأحمر وإزالته من الوجود. ومنها القرار العنصري بمنع دخول أي متضامن أو مؤيد لحركة المقاطعة (بي دي أس) إلى دولة احتلالها وإلى الضفة وغزة. كل ذلك وغيره، يقوم على موقف معلن شديد الوقاحة ويحظى بتوافق رسمي وحزبي ومجتمعي غير مسبوق في اتساعه يرفض حل الدولتين الذي يدعو له المجتمع الدولي ويرفض قيام دولة فلسطينية أو أي كيان سياسي فلسطيني مهما كان على أي جزء من الأرض الفلسطينية. 
إذا على ماذا تقوم موجة التفاؤل والإيجابية العربية السائدة؟ لجهة المبدأ، فلا أحد يمكنه إنكار ثقل وأساسية الدور الأميركي، ولا أحد يدعو الدول العربية إلى تجاهله في علاقاتها وحركتها السياسية. ولا أحد يلغي ويتجاهل حقيقة وجود عوامل ودوافع ومصالح وطنية/ قطرية خاصة بكل بلد في علاقاتها مع أميركا وإدارتها الجديدة، إضافة إلى اهتمامات إقليمية مشتركة معها، إلى جانب الموضوع القومي المركزي والمتمثل أساساً في القضية الوطنية الفلسطينية. 
ما يهم المواطن الفلسطيني والعربي العادي هو أن تقوم العلاقة مع الإدارة الأميركية الجديدة على الواقعية أولاً والوضوح ثانياً. وأن تقوم أساسا على قاعدة الأولوية المطلقة للتمسك المبدئي الصارم بالحقوق الوطنية والقومية الثابتة للشعب الفلسطيني، بدءاً من وقف الاستيطان وإطلاق الأسرى وإنهاء احتلال كل الأرض الفلسطينية، وأولها القدس الشريف، وصولاً إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشريف، إضافة إلى الثوابت الفلسطينية الأخرى.                                                                           
وما يهم المواطن الفلسطيني والعربي، هو ألا يتم الدخول في مساومات ومشاريع حل تستبق هذه الأولوية المطلقة أو تتجاوزها أو تدمجها في مشاريع حلول تفقدها أولويتها المطلقة.