ما بعد الضربة الأميركية لسورية !

سميح شبيب.jpg
حجم الخط

بعد أن تسبب القصف الجوي السوري، على بلدة خان شيخون، قرب ادلب بمقتل نحو 58 مدنياً، بينهم 11 طفلاً، عقد مجلس الأمن الدولي، اجتماعاً طارئاً، للبحث فيما حدث حقيقة.
كان التوجه العام، يقول بضرورة التحقيق فيما حدث، وتحديد الجهة المسؤولة عن ذلك.
جاء ذلك، في خضم معركة الحسم، إن جاز التعبير، التي تقوم بها القوات السورية، المدعومة بتحالف دولي، تترأسه روسيا وتشارك به إيران، وفي ظل موقف أميركي يقول، بعدم أولية إسقاط الأسد، في سياق الأزمة السورية.
لعل المتابع للشأن السوري، يعرف تمام المعرفة، بتسرب أسلحة كيميائية، لأيدي المعارضة السورية، وذلك عن طريق تركيا، ويعرف عن تصنيع أسلحة كيميائية، من لدن المعارضة السورية، ويعرف أيضاً، أن سورية قامت بإعلام مجلس الأمن بذلك، عبر مذكرات عديدة بهذا الخصوص.
من الناحية العملية، لم تكن سورية، بحاجة لاستخدام الكيميائي، لحسم معركة ادلب.. خاصة وأن الموازين العسكرية ميدانياً، تميل لمصلحتها ولمصلحة حلفائها، كما أن بقاء نظام الأسد، بات مقبولاً من الولايات المتحدة الأميركية.
كانت التقديرات العسكرية تقول، إن القصف الجوي السوري، على بقايا مخازن السلاح والذخيرة، المتبقية لداعش والنصرة، تسبب في تفجير أسلحة كيميائية في تلك المخازن، والتسبب في موت أبرياء، لا ذنب لهم.
لم تنتظر الولايات المتحدة أي تحقيق في هذا الحادث، وسارعت إلى توجيه ضربة جوية، قوامها 59 صاروخاً متطوراً، من بوارجها في البحر الأبيض المتوسط، إلى قاعدة جوية سورية، جنوب مدينة حمص، بعد أن قامت بإعلام الحليفة روسيا بذلك.
شكلت هذه الضربة الجوية، المدروسة بعناية فائقة، رسالة متعددة الأطراف، وكان الهدف من ورائها، تغيير قواعد اللعبة الدولية، في سورية.
اعتبرت روسيا، ما حدث، عدواناً على دولة مستقلة، وذات سيادة، وقامت بتعليق اتفاقها مع الولايات المتحدة، الخاص بالتنسيق فيما بينها وبين الولايات المتحدة بخصوص الأجواء السورية، وقامت بإرسال أفضل فرقاطة بحرية لديها، إلى مياه المتوسط.. في وقت رأت به إيران، ما حدث تهديداً للأمن الدولي.
لا شك أن ما قامت به الولايات المتحدة، يمثل تغييراً لسياساتها في سورية، وطياً جدياً لسياسات أوباما في سورية، ومحاولة استعادة زعامة الأمور، في الشرق الأوسط، على حساب روسيا، وإيران.
جاءت الضربة الصاروخية، لتقول إن الزعامة العسكرية، والقول الحسم، في سورية وأزمتها، هو للولايات المتحدة، وهي التي توزع الحصص، وبالشكل الذي ترتئيه.
ما بعد الضربة الصاروخية مرحلة جديدة سيتم ترتيب الأوراق فيها، وهذا ما يحتاج إلى وقت، تظهر به المواقف، ويتحدد حجم القوى بشكل جديد وواضح في آن.
الدول العربية أيدت الضربة الأميركية، لسورية، ورأت بها بداية خلاص: خلاص من النفوذ الإيراني المتزايد في الشرق الأوسط، وخلاص من رئاسة الأسد لسورية، وبداية استعادة النفوذ العربي ـ السعودي في المنطقة، بعد أن انحسر دوره.
تركيا من جهتها، رأت بالضربة إضعافاً لدور الأسد، واستعادة للدور التركي، خاصة في الشمال السوري.
أبدت تركيا، شديد ارتياحها، بعد الضربة الأميركية، وبدأت عملياً بتنفيذ مخطط المناطق الآمنة، في الشمال السوري، وفي جنوبه، عبر تشجيع ودعم الجهد الأردني بهذا الخصوص.
الوضع الراهن، بعد الضربة الصاروخية الأميركية هو بحالة التوثب والانتظار، وإعادة ترتيب الأوراق والحسابات مجدداً، على ضوء الاستراتيجية الأميركية الجديدة، في سورية، ومنطقة الشرق الأوسط، عموماً!
من الصعب التنبؤ، بما سيحصل في القريب العاجل، لكنه يمكن القول، إن ثمة مرحلة جديدة، في الأزمة السورية، قد حصلت فعلاً، لا يمكن القفز عنها، على أية حال.
ولعله من نافلة القول، إن لهذه المرحلة، انعكاساتها وارتداداتها على مرآة الشرق الأوسط عموماً، ومنها الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي!