كانت المواجهة المسلحة في أغسطس 2009 بين "السلفية الجهادية" وحماس، على اعتقاد أنها الأخيرة في غزة والتي عرفت باسم "أحداث مسجد ابن تيمية" والتي على أثرها قتل زعيمهم، الشيخ "عبد اللطيف موسى"، وتم اعتقال آخرين من أتباعه، من ثم كان الاعتقاد بأن ملف السلفية الجهادية قد انتهى وحسم في غزة.
مجموعة من العوامل أدت لهذا الاعتقاد، لكن مع ظهور "داعش" وبسط نفوذها وتمدد سلطتها في فترة قياسية، ومع حمى الخلافة والتطرف الديني، كانت سببا لبدء مثل هذه التوجهات لتبرز على السطح بشكل أكثر قوة.
من جديد تعود المواجهة بين أنصار الدولة الإسلامية في بيت المقدس، هنا في غزة وحماس، ولكن ليس عناصرها الرسمية الممثلة بأفراد وزارة الداخلية، بل جناحها العسكري المسلح "كتائب القسام"، رغم الاختلاط الواضح بينهما، إلا أن التمييز ضروري في هذه الحالة.
أحداث متفرقة استهدفت نقاط عديدة، مجموعة من القنابل الصغيرة في الحاويات، وأخرى على مفترقات الطرق القريبة من مراكز الشرطة، تم تفجيرها الأيام الماضية احتجاجا على اعتقال أجهزة امن حماس لمجموعة من الشباب"ذوي الفكر المتطرف" كما تصفهم حماس.
وكان آخرها في مدينة دير البلح (المحافظة الوسطى)، حيث ادعت الجماعة ان حماس قد هدمت مسجدا يؤمه إتباعها، وسباقا مع الحدث ردت حماس على هذا الإدعاء من خلال بيان رسمي أكدت فيه أن ما تم هدمه ليس مسجدا، بل هي دافئة زراعية اتخذتها الجماعة كمكان للتجمع لهؤلاء المتطرفين فكريا من اجل الكيد لكتائب القسام والشعب الفلسطيني.
بالرجوع لتاريخ نشأة التيار "السلفي الجهادي" في غزة، يتضح أن التاريخ تطوري يمكن الإشارة له، والحقيقة أن جماعات سلفية ظهرت في فترات مختلفة مثل: جيش الإسلام، وجيش التوحيد، وجيش الأمة، وجند أنصار الأمة، غير أن هذه الجماعات لم تحظ واقعيا بمساحة تنظيرية ولا فعلية في واقع الشعب الفلسطيني، وعلى خارطة النضال الفلسطيني، وكانت مشاركتها دوما بشكل خافت لم يجعل لها مكانا وطنيا ولم تحظ بالدعم الشعبي، ولم تعد فاعلة وظهر بدلا منها مسمى شعبي"جلجلت" أطلق على كل من يلاحظ عليه السمة السلفية الجهادية من الناحية الفكرية أو الشكلية.
وبعد هذا الفراغ الوطني الشعبي أصبحت تنسب نفسها إلى مرجعية فكرية متطرفة واضحة، وهي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، إذ أعلت بيعتها له، والواضح أنها لا تملك أي تواصل معه، أي عدم وجود أي هيكلية تجعل من هذه الجماعة جماعة غير معتبرة.
و بغض الطرف عن كونها لا تملك هيكلية واضحة ولا مرجعية تنظيرية ذاتية في الوقت ذاته، فلا يمكن القفز عن سلبيتها وعدم فاعليتها على ارض الواقع، فتلك الجماعات تفجر القنابل في الحاويات، وهنا وهناك، ولكن أين دورها الفعال في الحروب السابقة مع إسرائيل، لاسيما صيف 2014.