قمة عباس ترامب، ما المنتظر؟

د. عبد المجيد سويلم.jpg
حجم الخط

إذا راقبنا آراء المتابعين حول ما هو منتظر من هذه القمة يمكننا تلخيصها في ثلاثة اتجاهات رئيسية تتعارض في مظهرها الخارجي وتلتقي في الجوهر وتتقاطع مع بعضها البعض في المشهد العام.
الاتجاه الأول يرى أن الوضع الفلسطيني في أضعف حالاته كسياقٍ للوضع العربي المتردي ولتعارض مصالح الدول الكبرى حول واقع ومستقبل الإقليم ومن ضمن ذلك حل القضية الفلسطينية، ولهذا فإن هذا "الاتجاه" لا يرى في هذه القمة سوى محطة للضغط على الرئيس الفلسطيني باعتبار أن الميزان القائم على الأرض سيئ، وباعتبار أن العلاقة الأميركية الإسرائيلية في أحسن حالاتها بعد تولي ترامب لمقاليد الحكم في البيت الأبيض، وهي أمور في محصّلتها لا يمكن أن تفضي سوى إلى الضغط والابتزاز.
هذا الاتجاه يرى في الواقع أن الولايات المتحدة تهدف إلى تمرير الحل الإسرائيلي بغض النظر عن الآليات التي ستعتمدها للوصول إلى ذلك، ويرى أصحاب هذا الاتجاه ان الوضع الاقليمي هو الوضع المناسب والأكثر مواتاة منذ عدة عقود، ولهذا بالذات سيتم "استخدام" الإقليم لبلورة "الحل" الإسرائيلي برعاية أميركية وبجهود حثيثة منها، وان هذا هو بالضبط المقصود بعقد القمة او المؤتمر الإقليمي الذي يتم الحديث عنه هذه الأيام والذي يفترض عقده في صيف هذا العام.
يفترض أصحاب هذا الاتجاه أن الرئيس عباس بما عرف عنه من حنكة ودهاء سيقول "لعم" ويحاول عدم الاصطدام مع الإدارة الأميركية الجديدة، لكنه في نهاية المطاف سيقبل بحلول وسط ما بين الحل الإسرائيلي وما بين الحل الفلسطيني، وهو الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى القبول بحلول مؤقتة وبانصاف حقوق سعياً لتخليص الشعب الفلسطيني في مواجهةٍ ليست في صالحه ولا تتوفر لها الشروط الكافية للخوض فيها.
أما الاتجاه الثاني فيرى أن الأمور على العكس من هذا كله مختلفة، ولا يوجد في الواقع ما يمكن أن يضغط به على الرئيس الفلسطيني، ذلك أن الرئيس هو أول من يعرف تعقيدات الوضع الفلسطيني الداخلي، وهو كذلك أول من يدرك حالة الإقليم العربي، وهو واحد من القلائل في منطقتنا الذين يعرفون جيداً خارطة التناقضات الدولية، حيث استطاع في ظروف شبه مستحيلة أن يحقق لقضيته إنجازات كبيرة، على الرغم من كل هذه الظروف، استطاع ان يضع السياسة الإسرائيلية في مختنق خطير، وحصل على تأييد كاسح في محطات مفصلية، ولذلك فإن أصحاب هذا الاتجاه يرون في هذه القمة فرصة كبيرة لإفشال الحل الإسرائيلي ووضع الإدارة الأميركية أمام حقائق ووقائع الصراع وأخطار استمرار إسرائيل في سياساتها على المنطقة وعلى العالم بما في ذلك المصالح الأميركية نفسها.
ويستند أصحاب هذا الاتجاه إلى أن إسرائيل في حالة إن كان لدى الإدارة الأميركية الإرادة للحل لن تقوى على رفض التوجهات الأميركية ولا يمكنها "خسارة" الديمقراطيين والجمهوريين في آن معاً، وان إسرائيل نفسها التي سترفض توجهات ترامب لا يمكنها أن تراهن على حلف أو تعاون اقليمي، ولا يمكنها أبداً أن تضمن "بقاء" الإدارة الأميركية على نفس التوجهات من كل مشاكل وصراعات الإقليم بما في ذلك العلاقة مع إيران، لهذا فإن إسرائيل ستواجه أزمة أخطر من الأزمة التي واجهتها مع إدارة الرئيس السابق، كما أن القوى السياسية "المعارضة" لسياسات الحكومة الإسرائيلية داخل إسرائيل يمكنها في هذه الحالة التوجه بصورة مباشرة ومثابرة لإسقاط الائتلاف الحاكم فيها.
باختصار، أصحاب هذا الاتجاه لا يرون أن الأمور جاهزة، وان ترامب يتعرف وهو على استعداد لصياغة أفكار كقاعدة للحل من شأنها أن تتناقض كلياً مع سياسات اسرائيل ومع طبيعة الائتلاف الحاكم، وخصوصاً في قضايا أساسية مثل الاستيطان والسيطرة على الحدود وغيرها من ثوابت السياسة الإسرائيلية العنصرية القائمة.
إضافة إلى كل ذلك، أصحاب هذا الاتجاه لا يرون أن كل إسرائيل ستهرول باتجاه ترامب من هذه الزاوية بالذات، وهناك ايضاً من لا يريد أن يهرول باتجاه ترامب خوفاً من الآثار التي ستترتب على تحالف إسرائيلي أميركي بقيادة ترامب في حال فشل الرئيس الأميركي الجديد في البقاء قوياً في البيت الأبيض، بل ان هناك من يرى ان إكمال الولاية الدستورية للرئيس ترامب ليست مسألة مضمونة بالكامل بعد.
وفي ضوء كل ذلك، فإن أصحاب هذا الاتجاه يرون ان إسرائيل ستكون في مأزق سياسي كبير إذا ما استطاع الرئيس عباس أن يدفع الرئيس ترامب نحو حل متوازن وحقيقي فيه ما يكفي من الأسس والمرتكزات القانونية وفق مفاهيم الشرعية الدولية.
أما أصحاب الاتجاه الثالث، وهو في الواقع اتجاه "بيني"، وهو يقف في منتصف الطريق ما بين الاتجاهين الأول والثاني، إذ يرى أن الإدارة الأميركية ستعود إلى منطق إدارة الأزمة وأن الحلول ما زالت مطروحة لما بعد الحلول للمشاكل والأزمات الإقليمية، وان هذه الإدارة ستركز على "الخطوات" التي من شأنها التمهيد فقط للحلول القادمة في مراحل لاحقة، وان الرئيس عباس في هذه الحالة لن يخضع لأي ضغوط حقيقية.
أغلب الظن أن القمة الفلسطينية الأميركية لها أهمية كبيرة واستثنائية، وربما هي أهم قمة منذ سنين طويلة وهي إن لم تفض إلى وضع أسس ومرتكزات لحل سياسي مقبول فلسطينياً فإنها ستمهد الطريق له على الأقل.
وأغلب الظن، أيضاً، أن إسرائيل في غاية القلق من هذه القمة لأن فلسطين عادت لتثبت أنها حقيقة سياسية وجزء أصيل من واقع المنطقة والإقليم والعالم وان كل محاولات إسرائيل لتجاوزها قد انتهت إلى الفشل التام.
فلسطين ليس لديها ما تخسره إن هي تمسكت بما تعلن عنه وهي قادرة على ذلك، وهي على الأغلب مستعدة لحوار حقيقي مع الولايات المتحدة إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لهذا الحوار بهدف الوصول إلى حلول حقيقية.