شموع الوفاء تضىء فى غزة

التقاط.JPG
حجم الخط

 

دفتر عزاء ومواساة فتحته غزة ليسطر معانى الألم والمآزرة كُتب بدموع المعزين على شهداء حادثى التفجير الإرهابى لكنيستى مارمرقس ومارجرجس فى طنطا والإسكندرية أثناء احتفالاتهم بعيد الشعانين التى نالت منهما يد الإرهاب الآثمة فقلبت أعيادهم مآتم وسرادق عزاء، ورغم أحزانهم وجراحهم ومعاناتهم وأزماتهم لم ينس أهل غزة حنينهم وارتباطهم الإنسانى بمصر وأهلها وتعاطفهم مع مصابهم الأليم، فنصبوا سرادق عزاء ووضعوا أكاليل الورود وأضاءوا الشموع ترحماً على أرواح الضحايا تخللته عبارات مواساة مقتضبة حزينة عبرت عن تضامنهم وتعاطفهم مع أسر الضحايا الأبرياء الذين سقطوا فى لحظة غدر لتقضى على فرحتهم وأحلامهم، محبة يختزنها أهالى غزة لشقيقتهم الجارة مصر بحكم التاريخ والجغرافيا، رافضين ما حاولت السياسة بثه من نوازع الفرقة بين الشعبين، فالمصاب واحد والألم مشترك.

فى المحن تلتحم المشاعر، كما الفرح، لا تفرقها أهواء السياسيين ولا تناقضات السياسة والمصالح التى جعلت من الأخوة أعداء وكدرت صفو علاقة تاريخية لم تستطع الخلافات السياسية، مهما تغولت، محوها من سجلات الذاكرة المشتركة أو إسقاطها من حسابات الزمن، الإرهاب الغاشم يوحد القلوب المتعطشة للأمن والسلام، والمشاعر الصادقة تصل لأصحابها حتى لو حال بينهم جدار أسمنتى أو سياج مكهرب بحكم الضرورة وإفرازاً لأوضاع دخيلة فرقت بين الأخ وأخيه، وحالت دون تواصل يسرى فى عروق الضفتين إنسانياً كان أو سياسياً أو اقتصادياً، غير أن مشاعر الألم والتعاطف التى أظهرها أهالى غزة تجاه ضحايا تفجيرات كنيستى طنطا والإسكندرية وعبارات العزاء التى امتلأت بها وسائل التواصل الاجتماعى، تجلت حقيقة واضحة ربما كانت ملتبسة فى زحمة التوتر السياسى بين القاهرة و«حماس» وفى ذروة الأحداث التى عصفت باستقرار مصر، بأن مشاعر الأخوة والروابط الوثيقة التى جمعت بين الشعبين لا تستطيع السياسة القضاء عليها أو تدميرها، وستبقى غزة بأهلها لا بحكامها وفية على العهد.

ضرب الإرهاب بعصاه الغليظة جسد الوحدة طامعاً فى إسقاط الوطن وبث الفتنة الطائفية وتمزيق الهوية وكسر الإرادة، حاول أن يبث مشاهد الرعب والقتل وأشلاء الضحايا ليحاكى فيها أوضاعاً مؤلمة تعانى منها سوريا والعراق وليبيا واليمن، بعد أن فككت الفتنة والانقسام وأطماع السلطة جسد بلدانهم وحولتها إلى قطع دموية يفقد فيها عشرات المواطنين أرواحهم مع طلعة كل نهار، لكن الإرهاب فشل وسيفشل فى تمزيق وحدة مصر لأنها عصية على الانقسام والانكسار مهما فعل، حتى محاولاته فى عزل غزة عن جسد فلسطين ومحيطها الإقليمى، مصر، باصطناع الأزمات الأمنية من خلال تسلل الإرهابيين عبر الأنفاق وتنفيذ عمليات عدائية ضد مصر تسببت فى الإغلاق الدائم لمعبر رفح والتضييق المستمر على أهالى القطاع لإثارة مشاعر الغضب والاحتقان والضغينة بين الشعبين قد فشلت، وأثبتت مشاعر المواطنين الذين ذهبوا فى ليل داكن وسواد حالك ونفوس مأزومة بمحن كثيرة للتعبير عن تضامنهم وتعاطفهم وحزنهم لمصاب مصر الأليم، إنها عفية ما زالت تضمر الخير لأهل مصر، تحزن لحزنها وتفرح لفرحها وتتألم لآلامها، لم تحركهم غلالة حقد ولا شماتة عزلة فرضتها ظروف الأمن والسياسة، بل اندفعت أحاسيس الحزن والمواساة صادقة من القلب معبرة عن استنكارهم وألمهم من المشاهد الدموية التى عاشتها مصر وشعبها، وخطوا بدموعهم وأضواء شموعهم عبارات الترحم على شهداء الإرهاب الغادر الذى لم يستثن أحداً.

إن أهداف الإرهاب واضحة ومعروفة تديرها دول تسعى لخلق حالة من عدم الاستقرار فى دول عربية محورية ودفعها إلى الحروب الأهلية والفتنة الطائفية، وبالذات فى مصر لمنعها من تأصيل دورها العربى المحورى فى الدفاع عن القضية الفلسطينية، والإمعان فى إبعادها وعزوفها عن تمسكها بدورها القومى والوطنى والأخلاقى فيما يتعلق بحل القضة الفلسطينية، أولاً ببث الفرقة وعدم الثقة بين الشعبين المصرى والفلسطينى، وبالذات فى قطاع غزة بحكم الحدود المشتركة، تلك المنطقة الضيقة الملتهبة بالمشاكل والأزمات السياسية والاقتصادية لترسيخ عزلتها وانقطاعها عن محيطها الإقليمى وانفراد «حماس» بحكمها واستقلالها عن باقى الأراضى الفلسطينية للأبد كما يتمنى الاحتلال، وثانياً القضاء على أى أمل فى حلول مستقبلية للقضية الفلسطينية من خلال زرع الفتن بين الشعوب وبعضها وبث روح الكراهية والنزاعات الطائفية التى ستقضى على استقرار المنطقة وهدوئها فيما لو تمكنت. يخطئ من يظن أن الإرهاب سيهدأ أو يختفى، بل سيتنامى ويكشر عن أنيابه أكثر كلما استشعر أن المنطقة العربية فى طريقها للاستقرار، والمحور الإمبريالى العالمى الذى صنع الجماعات الإرهابية المتطرفة لن يتوقف عن تأجيجه خدمة لاستقرار إسرائيل وتمكينها، وعدم استقرار القضية الفلسطينية أو التوصل إلى حلول بشأنها، فهدوء المنطقة العربية من العمليات الإرهابية مرتبط جدلاً بحل القضية الفلسطينية لأنها مركز الصراع فى الشرق الأوسط وسر اشتعاله بالأزمات والحروب والفتن.

عن الوطن المصرية