سورية .. ضربة ما بعد الضربة

thumb.jpg
حجم الخط

 

 

 

للمرة الثانية خلال أقل من أسبوعين يفشل مجلس الأمن الدولي في تمرير مشروع قرار يدين الهجوم الكيماوي الذي وقع على بلدة خان شيخون في مدينة إدلب السورية، وتفشل معه المحاولات التي تستهدف حل الأزمة السورية بالطرق الدبلوماسية.
هذا الهجوم الذي أودى بحياة عشرات السوريين أصاب الدول الغربية بصدمة كبيرة، إلى درجة أنها صارت متمسكة بقوة بضرورة رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة، وتحشدت خلف الولايات المتحدة الأميركية للضغط على روسيا بوتين من أجل رفع اليد عن النظام السوري.
اجتماع السبع الكبار في إيطاليا مؤخراً، دعم الضربة الجوية الأميركية على سورية، وفوضها نحو إيجاد لوبي ضاغط يدعو روسيا للتخلي عن النظام السوري، وفي حين نجح في تثبيت موقفه من روسيا والأسد، فقد أخفق في فرض عقوبات على موسكو بسبب دعمها لحليفتها سورية.
خروج مجلس الأمن بقرار صفر، يعكس إلى حد كبير المزاج الدولي الذي يلخص طرفين دوليين: واحدا يدعم النظام السوري ويوفر له سترة النجاة من الانهيارين السياسي والعسكري، وطرفا دوليا ثانيا يرغب في تسوية الأزمة السورية على قاعدة رحيل الأسد عن السلطة.
هذا الخلاف ظهر بقوة خصوصاً بعد هجوم الكيماوي، حتى أن مشروع القرار الأميركي الفرنسي البريطاني يدين هجوم خان شيخون ويدعو النظام السوري للتعاون الكامل، وتقديم كافة المعلومات المتعلقة بطلعاتها الجوية وأسماء ضباطها وقت الحادث.
على أن روسيا رأت في مشروع القرار أنه ذات المشروع الذي جرت مناقشته في مجلس الأمن قبل أسبوع تقريباً ولم يخضع للتصويت، من حيث إنه غير متوازن ولا يخدم جهة التحقيق المحايد في موضوع الكيماوي، وفي المقابل قدمت مشروع قرار مختلفا يدعو إلى إجراء تحقيق غير مسيس ومستقل، ويرفض الضربة الأميركية على مطار الشعيرات السوري.
ساحة تبادل الاتهامات في مجلس الأمن تشكل عنواناً أو تلخيصاً لما يدور بين الدول الكبرى المؤثرة في النزاع السوري، وعلى الأغلب أن زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، نقلت رسالة واضحة للكرملين، مفادها أن موسكو ليست اللاعب الدولي الوحيد على الساحة السورية، الذي يمكنه أن يفعل هناك ما يشاء.
تيلرسون دعا الحكومة الروسية إلى وقف دعم الرئيس الأسد، في حين نقل نظيره الروسي رسالة تفيد بضرورة عدم تكرار الضربة الأميركية على سورية، وفي ذات الأجواء أكدت موسكو موقفها الثابت من دعم الرئيس الأسد.
الحديث بين الرجلين تمحور حول إيجاد حد أدنى من التنسيق بينهما، يبعد شبح اندلاع حرب عالمية ثالثة، خصوصاً وأن سورية تشكل مسرحاً لوجود قوات أجنبية متعددة، روسية وإيرانية وأميركية، وقبل ذلك تركية، وبالتالي جرى الحديث عما يسمى تقدما نسبيا في زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى روسيا.
الملاحظ أن واشنطن ترغب في الذهاب نحو التصعيد بالملف السوري، إذ إن هذا الملف تقف وراءه دول تراها الولايات المتحدة الأميركية في موقع غير مريح في سلم النظام العالمي. يقصد من ذلك أن ترامب يسعى لأن يكون نداً قوياً لروسيا ومن خلفها الصين وإيران، حتى لا تذهب إلى حد الاستئثار الكامل بالملف السوري، أو أبعد من ذلك إلى اعتبار أن واشنطن غير قادرة على التأثير في هذا الملف.
من وراء ضربة الشعيرات، نقل ترامب رسالة إلى روسيا أن الولايات المتحدة قد تستخدم القوة العسكرية ضد النظام السوري، ونقل رسالة إلى إيران وكوريا الشمالية والصين أن تلزم حدها وتعرف كيف تتعامل مع الإدارة الأميركية الجديدة.
الدول الغربية مثل فرنسا وبريطانيا التي أيدت الضربة الأميركية بقوة، تنتظر من الأخيرة أن تقوم بضربة أخرى أو أن تصعد اللهجة السياسية مع روسيا، على أمل أن تتوقف الأخيرة عن دعم النظام السوري، أو على الأقل تستجيب لمطالب الدول الغربية بالذات في موضوع رحيل الأسد.
حتى أن وزير الخارجية البريطاني خلال اجتماع السبع الكبار في إيطاليا، قال إن الضربة الأميركية غيرت قواعد اللعبة، وهذه التصريحات تأتي انطلاقاً من رغبة أوروبية قوية بمحاصرة روسيا دولياً، ودفعها عن تسلق سلم النظام الدولي.
التصعيد الأوروبي هذا ضد روسيا يأتي أيضاً في إطار المناورات السياسية على أكثر من محطة، ففي محطة أوكرانيا جرى خلاف كبير انعكس بتبادل الاتهامات وتبادل العقوبات، والخاسر الأكبر في هذا الميدان دفع ثمنه الشعب الأوكراني الذي انقسم أفقياً وعمودياً.
محطة سورية مرتبطة بمحطة أوكرانيا من حيث الصراع على النفوذ الدولي، ويبدو أن هناك سعياً أوروبياً تقوده القاطرة الأميركية باتجاه عزل روسيا دولياً وتوسيع الضغط عليها، على أمل إيجاد منافذ مربحة في أي من محطات الخلاف.
غير أن الجميع يدرك أن الصراع الدولي هذا مدروس ومحسوب جيداً، والدليل أن السبع الكبار أخفقوا في فرض عقوبات جديدة على روسيا، وكان يمكن لهم فعل ذلك لولا تخوفهم وتحوطهم من رد الفعل الروسي وتداعيات ذلك على مجمل العلاقات الدولية.
خلاصة القول إن الهجوم الكيماوي الأخير على بلدة خان شيخون، غيّر معادلة النزاع الدولي في سورية، ومأزق النظام السوري وحاصره دولياً، من حيث زيادة الاهتمام والتركيز على رحيل الأسد عن السلطة، كما أنه خلق وقائع على الأرض حسّنت من موقع المعارضة المعتدلة.
لقد تمكنت المعارضة من أخذ نفس عميق بعد الهجوم الكيماوي، لجهة تمكين وضعها الميداني والعسكري والاستعداد لخوض النزاع ضد القوات الحكومية السورية، مع فارق أن الطرفين يحظيان بدعم قوي وسخي من حلفائهم الدوليين.
موضوع النزاع السوري سيبقى في دائرة التصعيد الدولي ودائرة التلاسن، وأما بخصوص المسار السياسي فإنه حتى إذا طرح فرضاً في ظل هذا الوقت الصعب والحساس، فلن يكون أكثر من أمنيات لانعقاد جولة سياسية مشكوك في أمرها تحت هدير الطائرات والدبابات وصوت المدافع والرصاص.
أخيراً، يمكن القول إن الهجوم الأميركي على سورية أحدث "تكويعة" في مسار التحالف الروسي الإيراني السوري الذي يسير قدماً نحو تحقيق إنجازات عسكرية في النزاع السوري، أقله "تكويعة" تكتيكية قلبت موازين القوة وأعادتها قليلاً نحو التوازن، هذا الذي تطمح كل جهة إلى دفع الأثقال إلى ناحيتها.