الحكومة التي لا تشجع على الاستيطان في النقب.. تخنق إسرائيل

thumb.php.jpg
حجم الخط

في النزول المعتدل نسبيا من جبل رامون، أحد الجبال العليا في النقب، في الطريق الى موقع رقابة على اسم ايلان رامون واصدقائئه علماء الفضاء الذين قتلوا بعد تحطم المركبة الفضائية "كولومبيا"، بدأت الرياح فجأة. تكدرت السماء وبدت العواصف الرملية من بعيد.
بدأت العاصفة، لكنها لم تندلع مرة واحدة. غطاء رمادي بشر ببداية يوم هستيري. رياح وامطار وفيضانات ستسحب النقب. لن تتسرب المياه الى داخل الارض بل ستستمر وستجر كل ما في طريقها. في نهر براك توجد جذوع اشجار كبيرة سحبت ذات مرة كشهادة على قوة الطبيعة. الجذوع التي سحبتها المياه ملقاة كدليل على أنها مجرد لعبة في يد قوة الصحراء التي لا تظهر للعين حاليا. لقد اقتلعت من اماكنها.
إن التمسك بالعربة صعب، لا يأتي بسهولة، وهو يحتاج الى الصمود والتصميم. علامات الطبيعة جيدة ايضا لرجال الصحراء، رجال النقب والعربة - سكان اسرائيل الذين قرروا العيش في الصحراء. مثل اسم كتاب مئير شيلو "في بيته في الصحراء" الذي ينجح كالعادة في سبر جذور الحقيقة المؤلمة والربط بين الاستيطان، الصحراء، الطلائعية الاسرائيلية، وبين المواجهة الشخصية المعقدة في البلاد المليئة بالرياح والدماء. هم ايضا ستحملهم الرياح، وهم ايضا ستغرقهم الفيضانات، والشمس الحارقة ستجف أمام التصميم والبقاء والازدهار.
لقد نمنا في الليل في خان التمور في مستوطنة تسوكيم. وقد أجرينا هناك طقوس عيد الفصح. طاولة العيد، التي تشير الى الخروج من مصر، ارتباط بسيط واساسي بقصة التحرير وتحرر شعب اسرائيل من العبودية. مرت الطريق من الصحراء. لماذا ساروا كل هذا الوقت في الصحراء؟ سألنا الصغار. "كي يموت كبار السن".
الشباب ولدوا في الصحراء. ولدوا للحرية، وبعد ذلك من اجل احتلال البلاد واعمارها. كل من يعيش في المستوطنة أو الكيبوتس يعرف أن المستوطنة تبدأ بالموت عندما تكف حركة الشباب نحوها. بدون عائلات مع اولاد، بدون رياض اطفال ومشاهدة عربات الاطفال في الشوارع، يبدأ الحزن والتراجع والشيخوخة للمستوطنة.
في تسوكيم يوجد بناء ومناطق سياحية صحراوية ومناظر طبيعية وجداول. في المركز يوجد معرض للفنانين ومشاريع سياحية ناجحة. الناس يأتون من اجل الهدوء. يشاهدون المناظر الطبيعية الجميلة والهادئة. يبتعدون من خلال الربط بين الجنوب والوسط. بين ايلات وبئر السبع. مثلث صحراوي للعربة ورمات هنيغف وجبال ايلات، خط 40، شارع 10 وشارع العربة. المثلث يصبح ضيقا كلما اتجهنا جنوبا، شرقي حدود الاردن، وغربي حدود مصر.

الأمر الصحيح
غيوم العاصفة التي قد تندلع من هناك تحلق في سماء الشرق الاوسط، السلام مستقر، لكن الانظمة أقل استقرارا. التهديد الاسلامي جعل السلطات الامنية تغلق حدود سيناء في عيد الفصح. الاسرائيليون يريدون الذهاب الى هناك، لكن "داعش" حول النشيد الاسرائيلي "تلة حلفون لا ترد" الى استعراض الفظاعة والبربرية وهو يسيطر على اجزاء من سيناء كجزء من الصراع الاقليمي.
في الاردن يوجد أكثر من مليون لاجيء سوري، يوجد هدوء في الوقت الحالي. في حينه أقامت الحكومة برئاسة نتنياهو جداراً في الجنوب. هذا رائع، لكنه مجرد وسيلة. الحكومة تقيم ايضا جدارا مخيفا في الشرق ايضا من اجل وقف المهاجرين وكبح جزء من الارهاب. ولكن هذا ليس وسيلة ضد الانفصال. انفصال اجزاء اسرائيل المختلفة يحدث عندما نكف عن معرفة أن الاستيطان ليس فقط عقارات، بل قيمة تحافظ على روح اسرائيل ايضا.
على مدخل جزء من "المناطق" توجد لافتات مكتوب عليها "بدون زراعة لا يوجد استيطان"، هذه شهادة على الصراع الفاشل لسكان العربة من اجل الحصول على الاهتمام من الحكومة. الحكومة التي لا تشجع حركة الشباب نحو الجنوب، النقب والعربة، تقرر عمليا تجفيف المنطقة وفرض الانفصال على إسرائيل. إلا أن هذا الموضوع ليس صاخبا بما فيه الكفاية كي تبدأ به النشرات الاخبارية.
يدور الحديث عن عدد قليل من الاشخاص، الأنيقين والمتسفعين والذين تلمع عيونهم، لا يظهرون كمساكين لأنهم ليسوا كذلك. هم ملح الارض. ولكن اذا لم يتمكنوا من ابقاء جزء من اولادهم في العربة أو اذا دفعتهم قوة السوق الاقتصادية نحو الشمال، فان ما سيبقى هو فقط شارع فارغ محاط بالجدران. يجب على الدولة المساعدة، ليس من اجل عمل معروف لهم، بل للحفاظ على طابع الدولة وعدم دفع الطلائعيين الى المحميات الطبيعية ومن اجل الاستعداد للعاصفة الشرق اوسطية التي قد تمر عليها في رياح العيد أو تندلع مثل العاصفة الجوية دون مراعاة الرزنامة أو التخطيط الخاص بنا.
قال لنا بعض الاشخاص في العربة عن امور صغيرة تزعجهم. مثلا، كيف أن سلطة اراضي اسرائيل قامت بتعذيبهم في دورة عدم فلاحة الارض من اجل السياحة، وأخذت منهم المال الكثير. وكيف أن قروض الدولة السخية نسبيا، 150 ألف شيقل، تم تقليصها وحولت من قبل وزارة الاسكان الى اغراض اخرى في ولاية الوزير اوري اريئيل. هم لم يقولوا، لكن كان يمكن ملاحظة أنهم يشعرون بأن لا أحد في القدس يهتم بهم.
الطريقة البسيطة هي ملاحقة المال. ورؤية أين تذهب المساعدات. الطريقة الساذجة والمعقدة هي الطلب من متخذي القرارات الاستيقاظ. لا يوجد أي ممثل في الحكومة للعربة، لا يوجد للكيبوتسات أو المستوطنات، باستثناء اسرائيل كاتس، يجب أن يكون هناك أحد ما يفعل ذلك. لا يدور الحديث فقط عن اقتصاد السوق بل عن القيم ايضا، لا يدور الحديث فقط عن استثمار واعد، بل ايضا عن صراع على طابع الدولة، ليس فقط للحصول على اصوات اخرى في مركز الحزب، بل من اجل فعل الامر الصحيح. في الصحراء تشكلت صورة شعب اسرائيل في الطريق من مصر، وصورة المجتمع تتشكل في اسرائيل، قال دافيد بن غوريون ذلك منذ زمن. هذا هو اختبار بسيط للقيادة، في بيته في الصحراء.

عن "معاريف"