«تـرانـسـفـيـر» مـمـنـهـج فـي تـل الـرمـيـدة .. !

20171904095359.jpg
حجم الخط

(المضمون: يقوم الجيش الاسرائيلي منذ سنة ونصف بمنع دخول الفلسطينيين الذين لا يسكنون في تل الرميدة في الخليل الى الحي الذي يعيش فيه 1200 شخص - المصدر).
طلب الجنود، الذين تجولوا بين البيوت واشجار الزيتون، رؤية بطاقة هوية خالد أبو شخيدم (20 سنة) من الخليل. أخرج خالد بطاقة الهوية من جيبه. قام الجنود بفحص الرقم المكتوب بخط اليد على غطاء الهوية باللون الاخضر، والذي يناسب القائمة الموجودة لديهم، فتركوه. عاد خالد الى بيته الذي يبعد ثلاثة أمتار عن المكان الذي أوقفوه فيه.
عمل الجنود حسب الاوامر، يوم السبت، الذي سبق عيد الفصح. ومنذ سنة ونصف يمنع الجيش الاسرائيلي دخول الفلسطينيين الذين لا يسكنون في غرب الخليل القديمة، التي يبلغ عدد سكانها 1200 شخص: في أعلى تل الرميدة وحتى شارع الشهداء في الاسفل. أبو شخيدم، مثل جيرانه، يعرف أن بطاقة الهوية يجب أن تكون في الجيب دائماً، حتى لو خرج لالقاء القمامة أو لارشاد الزوار الاسرائيليين على الطريق.
مرت عشرون سنة منذ توقيع اتفاق "واي" الذي يقضي بنقل 80 في المئة من الخليل للسلطة الفلسطينية. وبقيت العائلات الفلسطينية تسكن في الـ 20 في المئة الباقية. المنطقة التي تسمى "اتش 2" مثال على قدرة التحمل الكبيرة.
تعيش عائلة أبو شخيدم في تل الرميدة قرب موقع الحفريات الأثرية التي تقوم بها الادارة المدنية وجامعة ارئيل، والتي تم تجميدها. وقال الأب مجد في مكالمة هاتفية، أول من أمس، إنه خلال عيد الفصح تجول في الحي كثير من الزوار اليهود. ايضا القناة السابعة تحدثت عن "الأعداد الكبيرة التي تقوم بالتجول في المواقع المقدسة في الحاضرة اليهودية... وألف مقاتل من الجيش الاسرائيلي والشرطة وحرس الحدود"، تم تخصيصهم للحراسة. وحسب تقرير "ضابط الدفاع" التابع لـ "كتيبة يهودا"، ايتان دانا، ليس هناك موعد أفضل لأخذ العائلة لامتثال كلمات أغنية "قم وتجول في البلاد مع حقيبة على الظهر وعصا". ولكن في الاعياد وفي ايام السبت وفي الصيف والشتاء من المحظور دخول الفلسطينيين من جنين ورام الله الى المنطقة، حتى لو كان لهم أقارب يعيشون فيها، أو ولدوا فيها وغادروها الى خلف الحواجز.
أعلن الجيش الاسرائيلي منع الدخول الى تل الرميدة وشارع الشهداء في نهاية تشرين الأول 2015. ورغم رفض الخضوع لطلب الادارة المدنية، والتسجيل من قبل "السكان الدائمين"، فان ميزان القوى والاقتحامات الليلية للجنود وممثلي الادارة المدنية أجبرت الفلسطينيين على الخضوع. وقد مر18 شهراً وما زال المنع قائما. الاعلان في تشرين الاول 2015 عن إغلاق المنطقة تم الغاؤه في أيار 2016، لكن هذا الالغاء يُمكن الاجانب والاسرائيليين الذين ليسوا مستوطنين من دخول المنطقة، وليس الفلسطينيين الذين يعيشون على مسافة قصيرة من المنطقة المعزولة. ومن اجل عدم التورط مع الاسماء العربية، سجل الجنود الرقم المتسلسل في القائمة التي لديهم على غطاء بطاقات الهوية لكل من يعيش في تل الرميدة، فيسمح بدخول البيت لعدة ارقام.  منع الدخول لا يسري على الاولاد تحت سن 16 سنة، ورغم ذلك فان الجيش الاسرائيلي يمنع دخول الفلسطينيين الذين تبلغ اعمارهم 16 – 30 سنة منذ تموز 2016 الى مناطق اخرى في "اتش 2".

منقطعون عن العائلة
أضيف هذا المنع الى قيود كثيرة على الحركة التي فرضتها اسرائيل بالتدريج على الفلسطينيين في منطقة "اتش 2" في الخليل منذ العام 1994، بعد أن قتل باروخ غولدشتاين 29 مصليا في الحرم الابراهيمي. حركة السيارات الفلسطينية ممنوعة في جزء كبير من البلدة القديمة، مركز الخليل، التي يوجد فيه كثير من المستوطنات. جزء كبير من شارع الشهداء في الشرق مغلق تماما أمام عبور الفلسطينيين، بما في ذلك الذين ما زالوا يعيشون هناك. وهم يخرجون عن طريق الاسطح أو الأدراج الخلفية. وقد قام مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية "أوتشا" باحصاء 18 حاجزا فيها جنود. 14 حاجزا منها يكون فيها أحيانا جنود، اضافة الى 70 عائقا دائما (جدار اسمنتي، مكعبات اسمنتية، وبوابات يتم إغلاقها)، تفضل مركز البلدة القديمة عن باقي اجزاء المدينة.
في نهاية آذار الماضي تم تعليق أمرين عسكريين في تل الرميدة حول السيطرة على عدة اراضي، حيث ينوي الجيش الاسرائيلي اقامة المزيد من الحواجز الكبيرة في قلب الحي من أجل وضع بوابات للفحص وبوابات دائرية وكاميرات وفواصل بين الجنود وبين المارة. وسيقام أحد الحواجز بدل حاجز غلبرت قرب مسجد جبل الرحمن، والآخر قرب بيت قفيشة. ومن المعروف أنه لم يتم تقديم أي اعتراض على السيطرة على الارض. وهذا الامر تم توقيعه باسم قائد المنطقة الوسطى، الجنرال روني نوما، وهو ساري المفعول حتى نهاية آذار 2020. في السنة الماضية قدمت لجنة تطوير الخليل وعدد من السكان دعاوى لمحكمة العدل العليا ضد مصادرة الاراضي من اجل توسيع ثلاثة حواجز اخرى. وقد رفضت المحكمة هذه الدعاوى. وحسب السكان، ليس هناك من يحاول اقناع القضاة من جديد، لأن كل شيء متعلق بالأمن. يعتقدون في الخليل أن الحواجز الجديدة ستعزز الفصل، لكن المتحدث بلسان الجيش قال "هذا يعتبر جزءا من تطوير القدرة العملياتية والبنى التحتية في المستوطنة اليهودية في الخليل، حيث تم اعمار مواقع رقابة وتطوير معابر ومنها المعابر التي يُتحدث عنها، والتي صدر أمر السيطرة عليها في الاسبوع الماضي.
وحسب الجيش الاسرائيلي، تمت اقامة المعابر كـ "جزء من استخلاص الدروس في اعقاب العمليات الارهابية في السنة الماضية التي أدت الى تغيير نظرية الدفاع. هذه المعابر ستزيد مستوى الأمن من جهة، وتحسن نسيج الحياة من جهة اخرى، أي حركة السيارات والسير على الاقدام، سواء لليهود أو الفلسطينيين".
إن وجود حاجز عليه جنود مسلحون، من اجل الفصل بين السكان وبين الحانوت أو العيادة لا يعتبر بالنسبة للفلسطينيين تحسينا، بل قيود اخرى وإهانة. جميلة الشلالدة، التي تعيش في بيتها القديم والجميل في شارع الشهداء، قالت إنها لا تخرج الى المدينة التي توجد خلف الحاجز سوى مرة واحدة كل عشرة ايام. العبور صعب جدا بالنسبة لها. "لا يمكن التعود على المنع، رغم أننا قررنا البقاء هنا"، قالت للصحيفة. بعض الجيران نزلوا من الطابق الأعلى الى الساحة الداخلية للبيت للتحدث. الاخوان زيدان ومفيد الشرباتي، الاول فقد عينه بسبب حجر رشقه عليه المستوطنون قبل بضع سنوات، والثاني ضربه الجنود، واحتاج الى اجراء عملية جراحية في الاردن. الثلاثة يعتقدون أنه في السنة والنصف الاخيرين كان هناك ثماني عائلات لم تتحمل العزلة الاجتماعية والعائلية فقررت ترك تل الرميدة. ولماذا لا يغادرون؟ بسبب معرفة أن المستوطنين قد يسيطرون على البيت، كما قالت الشلالدة والأخوان الشرباتي. يقولون إنه على مدى سنين، وخاصة في الاشهر الاخيرة، توجه اليهم المستوطنون واقترحوا عليهم المال الكثير مقابل البيوت التي يعيشون فيها. وفي الثمانينيات اقترحوا على الأخوين الشرباتي الهجرة الى افريقيا مقابل البيت، لكنهم رفضوا. قام مفيد الشرباتي باضافة غرفة على السطح للعائلة التي كبرت. وقال إن القائد العسكري سمح له، لكن المستوطنين قاموا بتقديم شكوى وتم وقف البناء. اكياس الاسمنت تتلف مع الوقت وهي على السطح، وقضبان الحديد تصدأ.

بيوت فارغة
عشية نقل الصلاحيات للسلطة الفلسطينية في الخليل في العام 1990 كان يعيش في المنطقة التي اصبحت "اتش 2"، 35- 40 ألف فلسطيني. 12 ألف منهم كانوا قرب المستوطنات التي ما زالت معيقات الحركة فيها صعبة، والحياة فيها مشلولة بالكامل. بعض الفلسطينيين غادروا بسبب هذا الضغط. ومن بقي هم فقراء وعنيدون. في العام 2006 فحصت "بتسيلم" ووجدت أن سكان 1040 شقة غادروا (41 في المئة من اجمالي عدد الشقق) منذ العام 1994. في استطلاع لجنة تطوير الخليل من العام 2015 زاد العدد الى 1105 شقق تمت مغادرتها. حوالي 1800 مصلحة تم إغلاقها بشكل دائم بسبب 500 أمر عسكري، والبعض الآخر بسبب عدم وجود الزبائن أو النقل، أو بسبب اعتداءات المستوطنين والتشديد العسكري.
عندما تزوجت شلالدة وانتقلت الى السكن في الشارع قبل ثلاثين سنة كان يعج بالحياة والمحلات والسيارات وضحك الأولاد وأحاديث الجيران. قامت الشلالدة بتذكر المحلات الواحد تلو الآخر: مخيطة السلايمة، وهي عائلة انفصل عنها الزوج بعد أن قرر ترك الحي، وصالونات الحلاقة ليغمور وأبو ماهر دعيس، وحانوت الزجاج لزلوم، ومخيطة اخرى للهشلمون، ومحل النرجيلة لسعدي الآغا، ودكان الجعبة، منجرة أبو عويضة، المركز الطبي، نادٍ رياضي، مقر صحيفة الشعب. ولم يبق أي شيء من هذا العمل الاقتصادي والاجتماعي، الغني والمتواصل، فقط أبواب حديدية قام الجيش باغلاقها بشكل دائم في العام 2000. وفوق هذه المحلات المغلقة توجد شقق سكنية، ومن خلف القضبان الحديدية أطفال ينظرون الى الخارج بفضول. "عندما يكون هناك حماية على النافذة من اجل منع دخول حجارة المستوطنين فهذا يدل على وجود أناس في البيت، وعندما لا تكون الحماية فهذا يعني ان السكان تركوا منذ زمن"، قال عماد أبو شمسية من تل الرميدة، الذي قام بتوثيق الجندي اليئور ازاريا وهو يطلق النار على الشاب عبد الفتاح الذي كان مصاباً على الأرض، بعد عدة دقائق من محاولة طعن جندي. ومنذ ذلك الحين أحاط الجيش الاسرائيلي بيت أبو شمسية بالجدران الاسمنتية وتم وضع كاميرا على البيت المقابل من أجل متابعة تحركاته.
صديق أبو شمسية، بديع دويك، قال لضيفة نرويجية اسرائيلية انضمت للجولة، إنه يحظر عليه مواصلة السير في شارع الشهداء. "أنت مسموح لك"، قال. فبدأت بالبكاء. "لم أتوقع أمراً كهذا"، قالت. وقد قصدت كل ما شاهدته وسمعته في جولتها في المنطقة: "البيوت الفارغة، الدرج في الشارع الذي تسير عليه امرأة عجوز، الاصلاح البطيء لبيت المعاق الذي لا يحصل على تصاريح ادخال العمال ومواد البناء. عربات المحلات التجارية التي ينقل بها السكان البضائع والطعام، طفل من عائلة العزة الذي مرض ومات في الشتاء بسبب تأخر سيارة الاسعاف، وقد تم سماع جنود الجيش في حاجز غلبرت وهم يقولون: "لو كانوا إسرائيليين لكان سمح لهم بالعبور".
سمعت الضيفة النرويجية الاسرائيلية من شلالدة وعائلتها أن العزلة والانقطاع عن المجتمع هي امور صعبة جدا، وأن هذا يؤثر على الاطفال. والبالغون في حالة اكتئاب دائم. صحيح أن هناك مبادرات فلسطينية اجتماعية تحت شعار "تفكيك غيتو الخليل": في البيت الذي غادره اصحابه، اقاموا روضة للاطفال، وأجروا مسابقة دينية باشراف وزارة الأوقاف من اجل تشجيع الناس على المجيء. وهم يقومون بنشاطات تصويرية للاولاد ويوزعون كاميرات الفيديو على بعض المدارس، واحيانا يتظاهرون، مع اصدقاء اسرائيليين، ضد اغلاق الخليل. وعندها يتم تفريقهم بالغاز المسيل للدموع والضرب والاعتقال. قبل شهر بادروا الى زرع اشجار الزيتون في حي وادي نصارة شرق "اتش 2". وقد كان هناك ثمن لهذا النشاط: اربعة نشطاء تم اعتقالهم بعد أن قال المستوطنون للجيش إن هناك اعمالاً محظورة. وقد تم عرضهم على المحكمة العسكرية في عوفر وتم اطلاق سراحهم بعد ثلاثة ايام بكفالة بلغت 3.500 شيقل، وحظر عليهم الدخول الى ساحة الجريمة مدة عشرة ايام. وتم تقديم لائحة اتهام ضد النسيط عيسى عمر، أحد مؤسسي "شباب ضد المستوطنات". وقد جاء في لائحة الاتهام 18 بندا شملت المشاركة في مظاهرة غير قانونية واهانة جندي. وسيتم استئناف محاكمته في عوفر في الصيف.

العيش في المجاري !
المشكلة الكبرى بالنسبة لعائلة أبو شخيدم و20 بيتاً آخر في أعلى التلة، هي المجاري. فلم يتم ربط الحي مع شبكة الصرف الصحي البلدية. وحفر الامتصاص تحتاج الى التفريغ مرة كل بضعة اشهر، لكن لا يتم السماح لسيارات النضح بالدخول إلا بعد التنسيق مع الادارة المدنية. وقد طلب السكان خلال سنوات من البلدية ارسال سيارة تفريغ حفر الامتصاص. ويقول الموظفون في البلدية إن التنسيق مع الجانب الاسرائيلي لم ينجح. فتقوم العائلة بتفريغ الحفر بنفسها عن طريق مضخات منزلية يتم ربطها مع المحرك الصغير، ويتم تفريغ مياه الصرف الصحي قريبا من البيت. عملية التفريغ تستمر اياماً بدل ساعات لو توفرت سيارة مخصصة لذلك. مجد أبو شخيدم لا يدخل سكاناً آخرين الى الشقة في الاعلى كي لا يزيد الضغط على المجاري. وقد قام باخلاء الشقة الارضية بسبب ذلك. ولكن المتحدث بلسان منسق "شؤون المناطق" قال "الادارة المدنية لم يصلها أي طلب لادخال سيارات المجاري، وعندما يتم تقديم الطلبات ستتم الموافقة عليها".
قبل ثلاث سنوات بدأت بلدية الخليل بالتحدث عن ربط البيوت بشبكة المجاري بعد الحصول على التمويل المناسب، قال أبو شخيدم. وقبل شهرين جاء موظفون من البلدية والجرافات وبدأوا الحفر مدة يوم كامل. وحسب التنسيق مع الادارة المدنية كان من المفروض أن يعودوا بعد اسبوع، لكنهم منعوا من الدخول من خلال حاجز قفيشة، فتوقف العمل. القنوات التي تم حفرها قرب بيته لا تسمح بدخول سيارة المجاري. وقال عمر إن البلدية فحصت مياه النبع القريب ووجدت أنه قد تلوث.
وجاء من مكتب منسق "شؤون المناطق": "تمت المصادقة على العمل من أجل ربط البيوت بشبكة المجاري من قبل الادارة المدنية، وقد بدأ قبل بضعة أشهر. ولكن بسبب مخالفات البناء لبلدية الخليل تم وقف العمل. وبعد تقديم خطة مفصلة سيتم استئناف العمل". وقالت البلدية لأبو شخيدم إن العمل ينتظر موافقة المسؤول عن الحفريات الأثرية في الادارة المدنية.

عن "هآرتس"