في مواجهة المأزق متعدد الأوجه والأشكال الذي يواجه الشعب العربي الفلسطيني وقياداته السياسية التي تتحمل مسؤولية التردي والانقسام والتراجع والانحسار، أعلن القائد الفلسطيني مروان البرغوثي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح من سجنه في هداريم الإضراب المفتوح عن الطعام، وذلك عبر ثلاثة رسائل وجهها، الأولى للأسرى داخل سجون ومعتقلات المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي في جلبوع، عوفر، نفحه الصحراوي، عسقلان، النقب الصحراوي وريمون، والثانية نحو طلبة مدارس فلسطين، شارحاً دوافع هذا الإضراب بشقيه المطلبي والسياسي، والثالثة نحو المجتمع الدولي عبر مقالة نشرها في صحيفة "نيويورك تايمز".
وقبل الحديث عن هدفي إضراب يوم الأسير الفلسطيني يوم 17/ نيسان من كل عام، لا بد من التوقف أمام مغزى انفراد النائب الأسير مروان البرغوثي لدعوته المباشرة لإعلان الإضراب، مع التأكيد أن الإعلان من جانبه لم يكن بدوافع ذاتية أنانية، بقدر ما كان بمثابة رسالة سياسية مقصودة لذاتها لعلها تصل لمبتغاها ولأصحابها ولشعبه الفلسطيني، فالقرار، قرار الإضراب من جانب مروان تم بالتنسيق المسبق مع النائب أحمد سعدات أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين المعتقل منذ عام 2003 في سجون الاحتلال، ومع أسرى قيادات حركة حماس، وقبلهم مع كوادر حركة فتح في مختلف السجون والمعتقلات، ولذلك فالقرار وطني تشاركي يعكس الرؤية الجماعية للفصائل السياسية في سجون الاحتلال، ولكن الإعلان والدعوة لقيادة الإضراب تمت من قبل مروان شخصياً ومنفرداً لهدف سياسي واضح يتوسل توصيل رسائل متعددة العناوين:
أولاً : الأهداف المطلبية وتم تحديدها والإعلان عنها وتشمل الاعتقال الإداري، والتعذيب، وسوء المعاملة، والمحاكمات الجائرة، واحتجاز الأطفال، والإهمال الطبي، والحبس الانفرادي، والمعاملة اللاإنسانية المهينة، والحرمان من الحقوق الأساسية مثل الزيارة والاتصال التلفوني مع العائلة، والحق في التعليم المدرسي وخصوصاً الثانوي والجامعي، وهي عناوين تشكل قواسم مشتركة لمجموع الأسرى في سجون ومعتقلات الاحتلال.
ثانياً : الأهداف السياسية لقد سعى مروان البرغوثي لتحقيقها والدفع باتجاهها وتتمثل بهدف سياسي واحد، ومركزه توحيد الأدوات الفلسطينية المختلفة، وتوجيهها نحو عدوها الواحد الموحد وهو الاحتلال ومشروعه الاستعماري التوسعي، فالهدف المركزي إذن توحيد الطاقات والجهود والنضال الفلسطيني ودفعه نحو مجرى واحد في مواجهة الاحتلال ولا شيء آخر غير الاحتلال، في ظل معطيات سلبية مدمرة يقف في طليعتها الضعف والتراجع والانحسار الفلسطيني بسبب:
1- الانقسام الجغرافي بين الضفة والقدس والقطاع، والانقسام السياسي بين فتح وحماس وفشل كل محاولات إنهاء الانقسام وإخفاقات بناء الوحدة على أساس مؤسسي وبرنامجي موحد، 2- فشل الرهان السياسي على وسيلة واحدة هي المفاوضات، وهي أداة غير فاعلة طالما لم تكن مدعومة بأدوات كفاحية وروافع مرافقة كالانتفاضة الشعبية أو الكفاح المسلح، 3- التفوق الإسرائيلي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً واستخبارياً في ظل قيادة يمينية إسرائيلية متطرفة لا تسعى للتوصل إلى صيغة تسوية تضمن توفير الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية بل تسعى نحو استكمال المشروع الاستعماري التوسعي على كامل أرض فلسطين التوراتية، 4- الحروب البينية العربية التي دمرت قدرات العرب واستنزفت طاقاتهم وأهدرت مواردهم، وما سببه ذلك من انعكاسات سيئة على الشعب الفلسطيني وعلى مصادر دعمه وإسناده، ولهذا سعى مروان البرغوثي نحو استعادة المبادرة الكفاحية الشعبية الفلسطينية عبر قضية إضراب الأسرى التي ما زالت من العناوين التي تحظى باحترام واهتمام القطاعات الأوسع من الشعب الفلسطيني، أخذاً بعين الاعتبار توحيد مطالب المعتقلين واحتياجاتهم الحياتية وتطلعاتهم السياسية.
رسالة مروان للأسرى يمكن تلخيصها كما يلي:
" أتوجه إليكم اليوم وكلي ثقة وأمل بصلابة موقفكم وقوة عزيمتكم وصدق انتمائكم ووعيكم لهذه الخطوة النضالية النوعية التي سنخوضها، ونأسف لإضاعة الفرصة لتوحيد الحركة الأسيرة وإعادة الاعتبار لدورها، والإضراب لإنجاز حقوق أساسية للحركة الأسيرة بأكملها وليس لأسراها فقط، ولذلك أدعو أسرى حركة فتح في كافة السجون والأقسام في كافة القلاع للوحدة والتلاحم والالتزام، نحن أمام تحدٍ كبير وفي نفس الوقت أمام فرصة لإعادة الاعتبار للأسرى الذين سطروا ملاحم وحققوا أبرز الإنجازات، وقد انتهى زمن الانتظار والوعود الكاذبة التي تقدمها مصلحة السجون، وهذه فرصة لتوحيد موقف "فتح" في السجون وتعزيز قوتها واستعادة دورها وإنجاز الحقوق العادلة والإنسانية للأسرى ضمن ظروف معيشية تحفظ كرامة الأسرى جميعاً، كما أن هذا الإضراب يشكل فرصة لإنهاء كافة المظاهر السلبية التي علقت بالحركة الأسيرة في السنوات الماضية لندشن عهداً جديداً يقود إلى وحدتنا وقوتنا".
أما رسالته لطلبة المدارس فيمكن إجمالها بالآتي :
" ﺍﻟﺴﺠﻦ ﻟﻴﺲ ﺍﻷﺳﻮﺍﺭ ﺍﻟﻌﺎﻟﻴﺔ، ﻭﻻ ﺍﻷﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﻤﻐﻠﻘﺔ، ﻭﻻ ﺍﻷﺳﻼﻙ ﺍﻟﺸﺎﺋﻜﺔ، ﻭﻻ ﻋﺘﻤﺔ ﺍﻟﺰﻧﺎﺯﻳﻦ، ﻭﻻ ﺿﻴﻖ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ، ﺇﻧﻤﺎ ﺍﻟﺤﺮﻣﺎﻥ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺑﺴﻴﻂ ﻻ ﻳﺨﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻝ ﺃﺣﺪ ﺧﺎﺭﺝ ﺍﻟﺴﺠﻦ، وﺍﻧﻄﻼﻗﺎً ﻣﻦ إﻳﻤﺎﻧنا ﺍﻥ ﺍﻟﺤﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﻧﺰﺍﻧﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺍﺳﺘﻌﺒﺎﺩﻩ ﺧﺎﺭﺟﻬﺎ، فقد ﺗﻤﻜﻦ ﺍﻷﺳﻴﺮ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ ﻣﻦ ﺗﺤﻮﻳﻞ ﺍﻟﺴﺠﻦ ﺇﻟﻰ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﻟﻠﻨﻀﺎﻝ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﻭﺗﻌﺰﻳﺰ ﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻭﺗﻌﻤﻴﻖ ﺍﻹﻧﺘﻤاء، ﺳﺄﻛﻮﻥ ﻓﻲ ﺯﻧﺰﺍﻧﺔ ﺍﻟﻌﺰﻝ الاﻧﻔﺮﺍﺩﻱ، ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﺗﺪﺧﻠﻪ ﺃﺷﻌﺔ ﺍﻟﺸﻤﺲ، ﺳﺄﻛﻮﻥ ﻭﺣﻴدا، ﻭﻟﻜﻦ ﻛﻞ ﺃﻧﺸﻮﺩﺓ ﺻﺒﺎﺡ ﺗﻬﺘﻔﻮﻥ ﺑﻬﺎ ﺳﺘﺼﻞ ﺇﻟﻰ ﺃﺳﻤﺎﻋﻨﺎ، ﻓﻨﺤﻦ ﻧﺨﻮﺽ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻜﺮﺍﻣﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻹﺿﺮﺍﺏ ﺍﻟﻤﻔﺘﻮﺡ ﻋﻦ ﺍﻟﻄﻌﺎﻡ، ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺳﻼﺡ ﺍﻷﺳﺮﻯ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺳﻼﺣﻜﻢ ﻟﺘﺤﺮﻳﺮ ﻭﻃﻨﻜﻢ ﻭﺷﻌﺒﻜﻢ، ﻷﻥ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻟﺒﻼﺩﻧﺎ ﺷﺎﻕ ﻭﻃﻮﻳﻞ ﻭﺻﻌﺐ".
أما رسالته الثالثة عبر مقالته المنشورة في نيويورك تايمز فقد لخصت موقفه كما يلي:
"بعد 15 عاما في السجون الإسرائيلية كنت فيها شاهدا وضحية لمنظومة الاعتقال التعسفي والاستبدادي الإسرائيلي وعلى سوء المعاملة التي يلقاها الأسرى، وبعد استنفاد كل السبل والإمكانيات قررت عدم وجود أي خيار آخر سوى مقاومة القمع والإذلال من خلال الإضراب المفتوح عن الطعام، لأن عشرات السنين أثبتت بما لا يقبل الشك ان المنظومة الإسرائيلية غير الإنسانية والاحتلال العسكري بكل تجلياته يهدف بالأساس إلى كسر معنويات الأسرى الفلسطينيين والأمة التي ينتمون اليها، وذلك من خلال التسبب بالمعاناة الجسدية وعزلهم عن عائلاتهم واستخدام تقنيات معقدة من الاذلال".
"ان التضامن مع الاسرى يكشف فشل اسرائيل سياسيا وأخلاقيا واثبت ان الحقوق ليست ملكا للمستبدين والاستبداديين وإنما هي حقوق شخصية يحق لكل إنسان التمتع بها، وكما كان حال الأُمم لن يكون الفلسطينيون استثناء، لذلك فإن وضع نهاية للاحتلال وحدها كفيلة بإنهاء حالة الظلم وغياب العدالة وستشكل بداية ولادة السلام".
وعبر رسائله الثلاث هدف مروان البرغوثي نحو توجيه الرأي العام الفلسطيني والعربي والدولي باتجاه تظهير قضيتي الأسرى وشعبه ودفعهما إلى الأمام لتكونا مصدر اهتمام ووعي لدى مختلف الأطراف.