لا شيء يدعو للتفاؤل باقتراب إنهاء الانقسام، أو الاستجابة من لدن حماس، لما تضمنته رسالة فتح إليها، بهذا الشأن. التصريحات الرسمية لحركة حماس، والمؤتمر الصحافي الذي عقده عضو مكتبها السياسي، خليل الحية، ومن ثم اعتقال المناضل الزق، وضربه، والطلب منه عدم التحدث في السياسة.. وأجواء أُخرى مرافقة، كل ذلك لا يدعو للتفاؤل، ولا يبعث على الارتياح.. كل ذلك يأتي، في سياق تأكيد السلطة الوطنية الفلسطينية، بأنها ليست صرافاً آلياً، ولم تعد تقبل بذلك، لا من قريب ولا من بعيد.
بعيداً عن تلك الأجواء المكفهرة، التي تبعث على تشاؤم مشروع، يمكن قراءة صورة مستقبلية، تتعلق بالانقسام، وإمكانية إنهائه. أولها، ما يتعلق بوضعنا الداخلي، أكان ذلك يشمل وضعنا في الضفة الغربية، او قطاع غزة. هنالك استحقاقات شتى، يتوجب على فتح او حماس القيام بها، على رأس تلك الاستحقاقات، الكيانية السياسية الفلسطينية، ودورها في آتون الوضع العام للشرق الأوسط، وما اعتراه من متغيرات، لا يمكن لأحد القفز عنها، او تجاهلها على أية حال ... ما آلت إليه الأمور بعد حروب داخلية شملت العراق وسورية وليبيا واليمن، وكان لها ارتداداتها ومفاعيلها، على مرآة الشرق الأوسط عموماً، بدأت ملامح جديدة ترتسم في آفاق الشرق الأوسط الجديد، ولعل ما تبدى بوضوح، بعد الضربة الأميركية لسورية، رسم خطوطاً عريضة وواضحة، لتحركات أميركية - روسية قادمة. في خضم ما يحدث، يبرز السؤال الوجودي والمصيري، حول مستقبل الكيان السياسي الفلسطيني، بغض النظر عن الاختلافات الداخلية الفلسطينية، وتفاوت الرؤى لحركتي حماس وفتح.
السؤال هنا، يتعلق بالوجود الفلسطيني من أساسه، ولا يطال هذا الفصيل او ذاك، في هذا السياق سيلتقي الرئيس محمود عباس (ابو مازن) نظيره الأميركي دونالد ترامب، في واشنطن في الثالث من الشهر القادم، كرئيس لدولة فلسطين، وكرئيس لـ م.ت.ف، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. لعله من نافلة القول، ان إبراز حماس لنفسها، كحاكمة ومتحكمة في قطاع غزة، وخارجة عن إطار م.ت.ف، سيعتبر عملاً ضاراً للغاية، لنفسها أولاً، ولغيرها ايضا، ليس لمصلحة أحد، أن يحصل ذلك .. لعل في ذلك، ما يستحق من حماس، وغيرها، التفكير ملياً بمجريات الأمور، وتحديد توجهها الجديد.
ثانياً، وفيما يتعلق بالوضع الداخلي الفلسطيني، هو ان تطورات الشرق الأوسط، وانتكاساتها على مرآة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، هو ما أصاب دور قطر وتركيا، من متغيرات، جعلت منهما، غير معنيين، بتكريس الانشقاق الجيو-سياسي وتمويله، إرضاء للولايات المتحدة، وتساوقاً مع سياساتها الجديدة في الشرق الأوسط، قضية التمويل هنا هامة للغاية، فأي مشروع منفرد في غزة، سيعني ضرورة تمويله من حماس مباشرة، وهنا عليها التفكير جدياً، فيما اذا كانت قادرة على ذلك أم لا.
وثالثا: ما يتعلق بالأمن، والنظام السياسي لقطاع غزة، هذا القطاع، الممتلئ بالسلاح والذخائر، التي ترى فيه الولايات المتحدة، ذخراً أساسياً للإرهاب، ودعم الإرهاب في سيناء خاصة. صحيح أن حماس، حريصة على التهدئة، وعدم إيصال الأمور، لحرب جديدة مع إسرائيل، لأنها تعرف تكاليفها الباهظة، وعلى المستويات كافة.
لكن ذلك لا يعني، تغاضي جمهورية مصر العربية عن ذلك، وبالتالي الولايات المتحدة الأميركية .. في حالة إنهاء الانقسام، وتسليم المعابر للسلطة الوطنية الفلسطينية، سيتوافر الغطاء السياسي لقطاع غزة، وفي ذلك مصلحة للجميع وتجنيب الفلسطينيين ويلات حرب لا طائل وراءها ..
هنالك رزمة من التساؤلات الجادة للغاية، أمام حماس لدراستها بموضوعية، بعيداً عن النزق والتسرع، وتغليب البعد الفصائلي الضيق، عن البعد الوطني العام ...
لم تعد فسحة الزمن طويلة، ولا بد من صيغ مشتركة، تضمن بقاء الكيانية الفلسطينية، لتمارس دوراً مشهوداً في رسم الآفاق الجديدة للشرق الأوسط القادم!!