تضيف صفقة شراء اسرائيل أربع سفن حربية من المانيا مدماكا اضافيا للتعاون البحري – العسكري بين الدولتين، والذي يعمل بنجاح كبير منذ نحو ستين سنة. فأحواض بناء السفن الألمانية ذات العلم والتجربة هي من الاكثر تقدما في العالم في السفن الصغيرة نسبيا، والتي يحتاجها سلاح البحرية الاسرائيلي، خلافا لاحواض السفن الأميركية التي تختص بتنمية وبناء السفن الحربية الاكبر وحاملات الطائرات التي لا يمكنها أن توفر انواع وسائل الابحار اللازمة لحماية شواطيء اسرائيل وطوافات الغاز.
في السنوات الاولى للدولة تشكل سلاح البحرية من سفن قديمة وغير مناسبة، معظمها من سفن المهربين السابقين، والتي لم توفر جوابا عملياتيا حيال الدول العربية. أراد سلاح البحرية ان يشتري سفنا حربية جديدة، ولكن الأميركيين فرضوا حظر سلاح على الشرق الاوسط، ولم ترغب العديد من الدول الغربية في بيع السفن لاسرائيل. في عامي 1956 – 1957، نقلت سرا من المانيا الى اسرائيل سفينتي دورية، بنيتا في احواض السفن في بورمستر شمالي المانيا. وقد دشنت هاتان السفينتان في سلاح البحرية تحت اسم يردين ويركون. وإخفاء لمصدرهما عرضتا وكأنهن بنيتا في إسرائيل.
ولكن هاتين السفينتين الصغيرتين، مع بارجتين قديمتين من عهد الحرب العالمية الثانية، كانتا اشتريتا من الفوائض من بريطانيا، لم تقدم جوابا عملياتيا على التهديد المتعاظم للدول العربية، التي تلقت افضل السفن الحربية من الاتحاد السوفييتي. ولهذا فقد بدأوا في سلاح البحرية في الستينيات بتطوير مخططات لطراز جديد من السفن الحربية – سفن الصواريخ – والتي كانت بمثابة ثورة التفكير البحري العسكري. وفهم قادة سلاح البحرية، برئاسة اللواء شمويل تنكوس بان دولة صغيرة كاسرائيل لا يمكنها ان تحتفظ باسطول من البارجات والسفن الحربية الكبيرة، ولهذا فقد ركزوا على تطوير سفن صغيرة. وادت اتصالات سرية مع المانيا لبناء نوع جديد من سفن الصواريخ أدت الى صفقة دائرية شاركت فيها ثلاث دول: فقد خططت للسفن الجديدة شركة لورسان الالمانية، ولكنها انتجت عمليا في احواض شيربورغ في فرنسا.
وعلقت بعض هذه السفن في فرنسا بعد بنائها جراء حظر السلاح الذي فرضه الرئيس شارل ديغول على اسرائيل. وقد هربت الى اسرائيل في حملة جريئة لـ «الموساد» وسلاح البحرية عشية عيد الميلاد، في العام 1969. فقد تخفى رجال البحرية وعملاء «الموساد»، الذين اتخذوا شكل البحارة المدنيين، داخل ميناء شيربورغ حيث كانت ترسو السفن، وفي ساعات الليل المتأخرة، عندما كان افراد الشرطة ورجال الجمارك الفرنسيين يحتفلون بعيد الميلاد بشرب الكحول، خرجت السفن سرا الى البحر المفتوح، ووصلت بعد اضطرابات عديدة الى اسرائيل. واصبحت هذه السفن الصاروخية العمود الفقري لسلاح البحرية لسنوات عديدة وحققت انجازات عملياتية مثيرة للانطباع في حرب «يوم الغفران» وفي السنوات التالية لها.
ستبنى السفن الجديدة التي اتفق عليها، هذا الاسبوع، احواض بورمستر في المانيا. ويجدر بالذكر ان لالمانيا ايضا مصلحة مهمة في نجاح هذه الصفقة الكبرى. فالطلب العالمي على السفن الحربية هبط جدا في العقد الاخير. وادت الازمة الاقتصادية العالمية، ومعها التقليصات في ميزانيات الدفاع في دول عديدة الى تجميد الطلب على السفن الحربية الجديدة. وبدلا من شراء سفن جديدة، ترمم العديد من الدول السفن الحربية القديمة التي لديها وتحسنها بمنظومات الكترونية وسفن جديدة، بعضها من انتاج اسرائيل.
الحكومة الالمانية معنية بالحفاظ على قدرة تنمية وبناء مثل هذه السفن في الاحواض في شمالي المانيا، ولا سيما عندما تكون السجلات في هذه الاحواض فارغة. تمويل ثلث كلفة السفن هو بالطبع هدية جميلة ومباركة لإسرائيل. ولكنه دعم غير مباشر من الحكومة الالمانية لاحواض السفن كي تضمن اماكن عمل في المناطق الصناعية التي ضربتها أزمة اليورو وانخفاض الطلب. هذا الاتفاق يرفع مستوى سلاح البحرية الاسرائيلي ليتصدى جيدا للتحديات البحرية في العقود القادمة.
عن «إسرائيل اليوم»