النكبة .. ذكرى ووجع

كتاب
حجم الخط

لم ينم الليلة, شيئا ما يوجعه, ولا يستطيع أن يضع يده على موطن الألم ..هناك أمر ما لا يدركه ولا يفهمه!

وجع معجون بالحسرة والحنين والشوق....يبحث عن ذلك المفتاح الصدئ ويضمه إلى صدره ويقبله للمرة المليون بعد المليون..

فمنذ غادرها وهو يبكيها حباً ولهفة.....مرت 67 عاماً, كبر الفتى وشاخ وقلبه ما زال مربوطاً بتلك الزيتونة اليتيمة, تركها مكرهاً مذعورا .. ضالاً .. أنهكه المسير وأضنى عينيه طول البعد.

والآن وهو على حافة الرحيل يحدث أحفاده عنها, يتكلم عنها بحب عظيم ولهفة تحرق ما تبقى له من صوت, تخونه دموعه وعبراته وكل خلجة من خلجات روحه المهترئة .

يحدثهم عن دوالي العنب وشقائق النعمان, وعن سنابل القمح الممتلئة خير.. ويرسم لهم ملامح صباه وهو شقي عابث يعاكس الزنابق المثقلة بالحب والجمال.

يحكي ويشتّم رائحة تلك الأيام العذبة ورائحة خبز الطابون والجميزة العتيقة التي لا زالت عصية على الزمان, أفاق من فرحة الكلمات على واقعه المر..!

 على ذكرى الرحيل , ليغدو لاجئاً , مهاجراً , ذليلاً !

 إلا من حزن بحجم وطن مسروق, وبيت وبستان بقوا على حالهم في قلبه, ولم يتغيب سوى ساكنيه, وما زالت الياسمينة وحيدة, والتينة العتيقة تبكي أحبتها حبات تين تنتحر ذلا وكمدا على الارض, تركوا قبور الغوالِ , وشواهد الفخر, ومواطئ أقدام فرسان القبيلة.

يا الله كبروا وشاخوا وكبرت الذكرى وما زال الحلم والأمل بالعودة وجعاً يسكن خواطرهم, ولم يتبقى من كل ما كان إلا مفتاح صدئ يحكي قصة حب مع باب خشبي متهالك أضحى ذكرى ووجع ونكبة, ودمع عجوز ينعي بيت وقرية ويحلم بحق عودة لم يعود ..