تحول الحديث في ندوة سياسية دعت لها الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين من القضية الفلسطينية في زمن الاضطراب الإقليمي إلى الحديث عن أزمة اليسار الفلسطيني في زمن الاضطراب الإقليمي، حيت تركز الحديث عن دور فصائل اليسار الفلسطيني على مختلف مسمياتها باعتبارها جزءاً من أزمة الحركة الوطنية وليست بعيداً عن هذه الأزمة، حتي لو حاولت التظاهر بعدم المسؤولية عن أزمة النظام السياسي الفلسطيني، باعتبارها جزءاً من منظمة التحرير الفلسطينية وتتحمل مسؤولية وطنية وسياسية وأخلاقية للحالة التي وصلت لها الأمور في الساحة الفلسطينية، بعد عشرة سنوات من الانقسام البغيض.
فمعظم المداخلات التي أعقبت الورقة التي صاغها الرفيق فهد سليمان نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية والتي قدمها الرفيق صالح ناصر مسؤول الجبهة الديمقراطية في غزة، والتي حملت عنوان "القضية الفلسطينية في زمن الاضطراب الإقليمي" حيث شرح فيها الأوضاع الدولية والإقليمية والفلسطينية، خلال الفترة الحالية، والتي تتميز بالاضطراب السياسي وانعكاساتها على القضية الفلسطينية، وحاول في هذه الورقة الرفيق فهد سليمان شرح السياسة الرسمية الفلسطينية ودور الانقسام في تعزيز ازدواجية السلطة، ومكانة منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وموقف الجبهة الديمقراطي من هذه التطورات.
فمعظم المداخلات والتعقيبات التي قدمت سواء من المعقبين أو الحضور لم تركز على التحولات والتطورات الإقليمية، وإنما ركزت على دور اليسار الفلسطيني في الخروج من هذه الأزمة، حيث تمحورت مداخلة الأستاذ الدكتور إبراهيم ابراش الكاتب والمفكر الفلسطيني والأستاذ طلال عوكل الكاتب والمحلل السياسي، حول دور اليسار الفلسطيني، في الخروج من الأزمة، حيث أكد الدكتور ابراش أن فصائل اليسار الفلسطيني هي جزء من النظام السياسي ومنظمة التحرير وهي شريكة في النجاح والفشل، وأن الانقسام الفلسطيني تتحمل مسؤوليته فصائل اليسار الفلسطيني كما تتحمل مسؤوليته حركتي فتح وحماس، وأكد أن هناك انفصال بين الفكر والممارسة على الأرض، لأن فصائل اليسار على مختلف مشاربها ومسمياتها تطرح أفكار ورؤيا سياسية لا تجد مكان لها على الأرض، وأن هذه الفصائل غير مؤثرة في الشارع، وتسأل الأستاذ طلال عوكل عن دور اليسار الفلسطيني في حل الأزمة الحالية، وطالب فصائل اليسار بالانفتاح على العقل الوطني وأن لا يبقى كل فصيل من فصائل اليسار يردد النغمة المعهودة أنه أول الدنيا وأخرها.
وخلال الحديث لمست رغبة صادقة من الجميع أن يأخذ اليسار الفلسطيني دوره الفكري والوطني في قيادة الجماهير للخروج من الأزمة، عبر تخليه عن سياسة مسك العصا من الوسط ، والتوحد في تكتل جبهوي قوي يشكل نواه صلبة لقيادة الجماهير الفلسطينية للخروج من المأزق الراهن خاصة في ظل حالة الاستقطاب الحاد، الذي تعاني منه الساحة السياسية الفلسطينية ، فهل يمكن أن تفعل فصائل اليسار هذه الخدمة للشعب الفلسطيني، وهذا ما دعا النائب جميل المجدولات أن يقدم مداخلة أكد فيها تقاعس فصائل اليسار الفلسطينية في قيادة الجماهير نحو الخروج من الأزمة، عبر وحدة التيار الديمقراطي الفلسطيني، الذي يمكن أن يكون بديلاً عن ثنائية فتح وحماس، حيث طالب كافة فصائل اليسار الفلسطيني بالتواضع والاتفاق على التكتل في جبهة وطنية ديمقراطية قبل فوات الأوان.
نعم لقد تحول الحديث عن القضية الفلسطينية والحلول السياسية المطروحة، وخاصة الحل الإقليمي للحديث عن قضية لا تقل خطورة عنها، وهي أزمة اليسار الفلسطيني، فالكل الوطني، سواء كان داخل اليسار ومن خارجه أصبح يتسأل عن دور اليسار الفلسطيني في الخروج من الأزمة، وعن مواقفه من التطورات الجارية، سواء على مستوى التطورات المحلية الفلسطينية، وخاصة موقف فصائل اليسار من مبادرة الرئيس للإنهاء الانقسام، أو مواقفه من موقف حركة حماس من مبادرة الرئيس، أو مواقفه من للتطورات الدولية والإقليمية وتداعياتها على القضية الفلسطينية، فالجميع يريد لليسار الفلسطيني الخروج من المنطقة الرمادية، وتقديم مواقف واضحة، والتخلي عن سياسة مسك العصا من الوسط، التي أصبح يجيد استخدامها، عبر نقد فتح وحماس في نفس الوقت.
لا شك أن اليسار الفلسطيني يمر في أزمة باعتباره جزء من الأزمة العامة التي تمر فيها الساحة الفلسطينية، ولا شك أيضا أنه يتحمل جزء كبير من هذه الأزمة باعتباره جزء من النظام السياسي الفلسطيني، إلا أنه لابد أن يدرك المواطن الفلسطيني أصبح يعول كثيراً على فصائل اليسار الفلسطيني في قيادة الجماهير للخروج من الأزمة، الأمر الذي يتطلب من فصائل اليسار الفلسطيني التخلي عن سياسة مسك العصا من الوسط، والاتفاق على موقف واضح ومحدد من الانقسام والطرف المعطل للمصالحة لها، وتجديد خطابه السياسي، الذي لم يتغير منذ 74، بما يتوافق مع طبيعة التحولات السياسية والفكرية في الساحة السياسية الفلسطينية والعربية والدولية، وعدم الافراط في استخدام المصطلحات التي عفى عليه الزمن، والتي لم يعد المواطن الفلسطيني يفهم معناها، وأن يستخدم خطاب سياسي واقعي موضوعي يستطيع الوصول للشارع الفلسطيني بسهولة، وعليه أيضا التوحد وقيادة الجماهير بتجاه الضغط لإنهاء الانقسام الفلسطيني.