تقوم وسائل التواصل الاجتماعي بدور كبير في صياغة مواقف الناس وتوجهاتهم بطريقة باتت تتفوق فيها على وسائل الإعلام التقليدي.
بل إن الدراسات والمسوحات كشفت أن أكثر من نصف المواطنين يتلقون الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهي نسبة تتزايد عاماً بعد آخر مع تزايد مستخدمي هذه الوسائل.
وفي فلسطين حيث نسبة مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي هي الأكثر عربياً، فإن لوسائل التواصل الاجتماعي أدواراً أخرى مناطة بها، فهي ليست مجرد وسائل ترفيه وبناء علاقات وما إلى ذلك، كما أنها ليست لمجرد نقل الأخبار وتداول المشاهدات والمواقف، بل هي أيضاً مثل كل شيء في فلسطين لها دور وطني في تعزيز الرواية الفلسطينية عن الصراع والنضال وتمكين الخطاب الفلسطيني من أن يجد منصات جديدة يقوم عبرها بالترويج لمقولاته.
لكن ماذا لو كان هذا الخطاب غير موحد! وهو ليس موحداً كما يدرك كل فلسطيني. هل ثمة دور يمكن أن تقوم به وسائل التواصل الاجتماعي في توحيد هذا الخطاب؟ إن نظرة على الإعلام الفلسطيني تكفي كي يشعر المرء بأن الإعلام الفلسطيني كان دائماً، ومازال، جزءاً من الانقسام.
ليس أن الانقسام أثر فيه، بل إنه أيضاً بات أداة من أدواته، ومعولاً هداماً في جسد الوحدة الوطنية.
وربما الدور الأسود الذي قام به بعض محطات الإذاعة مازال ماثلاً أمامنا حتى الآن، خاصة دعاوى القتل والسبي وما إلى ذلك.
عموماً إذا كان الإعلام الاجتماعي هو إعلام المواطن، فهل يمكن لمثل هذا الإعلام أن يساهم في توحيد الخطاب أو على الأقل تخفيف حدة الخلاف داخل مركباته ومفرداته؟
كان هذا جوهر النقاش الذي تم في مؤتمر نظمه بيت الصحافة في غزة بعنوان "دور وسائل التواصل الاجتماعي في توحيد الخطاب الفلسطيني" والذي تحدث فيه ممثلو أكبر خمس منصات للتواصل الاجتماعي في غزة بحضور مئات من المغردين والنشطاء.
خلال المداخلات تم تقديم أفكار مثمرة وجديدة حول سبل صياغة الحملات وتطويرها وتعزيز دور المجموعات الشبابية في توحيد الخطاب من خلال منصات التواصل الاجتماعي وتطوير الخطاب الفلسطيني باستخدام تلك المنصات.
وبالطبع لا يمكن لدور الساسة (الجيد أم السيئ!) أن يغيب عن النقاش حيث كان ثمة ندوة حول دور الساسة وصناع القرار في توحيد الخطاب على مواقع التواصل الاجتماعي.
والإجابة عن هذا الافتراض الطوباوي الحالم حول دور الساسة متروك للقارئ.
الكثير من الخلاصات والتوصيات التي تستحق التأمل. ولكن من المؤكد أن توحيد وسائل التواصل ومنصاتها يتعارض مع فكرة النشاط الاجتماعي سواء السياسي الذي ترافق مع ظهور الحركات الاجتماعية أو الإعلامي بعد انفجار وسائل الاستخدام والعرض.
ولكن المطلوب توحيد الخطاب والبحث عن كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في توحيد الخطاب.
الأمر الآخر الذي أشار إليه أحد المشاركين هو أن لا يكون استخدامنا لهذه الوسائل موسميا.
وبعباراته فإن هناك موسمية في التعامل مع القضايا الوطنية من قبل المغردين الفلسطينيين، وبدلاً من ذلك يجب أن يكون التعامل مع هذه القضايا ضمن رؤية ثابتة ومستمرة.
ويمكن بالنظر إلى التغريد بشأن قضية الأسرى أن نكتشف صدق ما يقول، فالأسرى والتضامن معهم يجب أن لا يكون مرتبطاً بأي حال بالإضراب، رغم أهمية إسناد الإضراب، بل أيضاً وهذا لا يقل أهمية يجب أن تكون قضية تفاعل ونشر مستمرة.
وبكلمات مشارك آخر في المؤتمر فإننا يجب أن نصبح مصدرين للخطاب لا مروجين له، وحتى نكون مصدرين للخطاب يجب أن نكون قادرين على صناعة الخطاب وصناعة محتوى الخطاب.
الانتقال من الترويج والترديد والتداول الأعمى إلى حرفية ومصنعية الصياغة وتكوين المحتوى مهمة لا يمكن أن تكون عفوية، إذ إنها تتطلب جهداً وتدريباً وإعداداً يقود إلى صقل العاملين في الحقل بغية أن يكونوا قادرين على صناعة محتوى جيد يعبر عن حقيقة الرواية الفلسطينية وما ترمي إليه.
ولا يكاد الأمر يقتصر على هذا إذ إن ثمة حاجة ماسّة إلى تعميق المحتوى حتى لا يبدو مجرد شعارات رنانة يتم ترديدها، بل محتوى يكشف عن عمق سحيق يمكن أن يظل مادة للنقاش والتفاعل بين النشطاء في العالم.
وتعميق المحتوى يجب أن يكون غايته ويكون مصحوباً أيضاً بانتشار واسع وفعال للتأثير على المتلقي الذي بدوره لابد أن يتفاعل مع الخطاب ويقوم بنشره ومشاركته على صفحاته المختلفة.
بهذا فإن الخطاب الفلسطيني يستطيع أن ينتقل من مجرد الاستخدام الآني والمرتكز على ردة الفعل إلى المبادرة والمبادأة التي تحدث تغيراً كبيراً ليس فقط في محتوياته وطريقة التعامل معه بل أيضاً في تأثيره المقصود.
وبعبارة أخرى لا يعود الأمر مجرد هواة نشطاء يزجون وقتهم و"يطّيرون زهقهم" كما تقول العبارة الدارجة.
الانتقال من العفوية إلى التخطيط أليس هو ذات الشيء الذي نحتاجه في كل شيء، خاصة في السياسة.
وأظن أن الأمر لا يختلف كثيراً حين نتحدث عن المواجهة الإعلامية لتصدير الرواية الفلسطينية.
فإسرائيل تحترف تصدير روايتها فيما تظل الرواية الفلسطينية مهملة في الخطاب المتداول – رغم أنها بدأت في اكتساب بعض الزخم حديثاً في بعض جوانبها وليس في كليتها.
فالسائد في النقاش الغربي هو الرواية الإسرائيلية المرتبطة بالطبع بالصياغات التوراتية التي باتت جزءاً من الإرث والإيمان الغربي.
والمكون الأساس لكل ذلك هو التواجد (العابر) لليهود في فلسطين، بجانب المصالح الحيوية المرتبطة بوجود إسرائيل بالنسبة للقوى الكونية، وهي المصالح التي فشل العرب في القول إنها ترتبط أكثر معهم.
عموماً، المؤكد أن الرواية الفلسطينية بحاجة للكثير من الالتفات والنشر والتفاعل، وهي بحاجة لأن تكون رواية واحدة وليست مجموعة روايات قبل وبعد كل شيء.
من هنا فإن ثمة حاجة لتوحيد الخطاب الفلسطيني، وهو الدور الذي يجب على منصات التواصل الاجتماعي أن تقوم به في ظل، على الأقل، عدم اتفاق الساسة على ذلك.
فريق "سورير" في شمال غزة يقدم الدعم النفسي الاجتماعي للأطفال
24 سبتمبر 2024