كيف تُشتّت إسرائيل وأميركا الانتباه الدولي عن المأساة الفلسطينية؟

NB-28112-635377350640333654.jpg
حجم الخط

دوماً كانت هيئة الأمم المتحدة تملك دوراً قوياً في التعامل مع الصراع بين العرب واليهود بشأن فلسطين، وبعد انهيار الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، تولت بريطانيا إدارة فلسطين وفق تفويض من عصبة الأمم، وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية بدأت بريطانيا اعتبار فلسطين عبئاً يجب التخلص منه، وبعد انهيار عصبة الأمم تولت هيئة الأمم المتحدة هذه الأزمة.
ووضعت لجنة خاصة بهيئة الأمم المتحدة خطة لتقسيم فلسطين إلى دولة عربية ويهودية، ووافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على النسخة المعدلة من الخطة في تشرين الثاني 1948.
وكانت الخطة سخية للجانب اليهودي كنتيجة للضغط اليهودي خاصة في أميركا للتصويت لصالحها، في الوقت الذي صوتت فيه الدول العربية ضدها في الجمعية العامة. وعلى الرغم من تشكيل اليهود حوالى ربع السكان في فلسطين وتشكيل العرب ثلاثة أرباع إلا أن هذه الخطة أعطت لليهود نصف الأرض.
وأدى القتال المسلح اللاحق إلى إحداث فجوة أكبر بين عدد السكان والأرض المملوكة لهم؛ حيث إن الأرض التي تسيطر عليها اليهود والتي كانت بنسبة 55% من فلسطين في الخطة الأصلية للجنة الأمم المتحدة وزادت إلى 61% في الخطة المعدلة التي صوتت عليها الجمعية العامة، إلى 78% بعد الهدنة من القتال في 1949، ثم إلى 100% بعد الحرب التي بدأتها إسرائيل في 1967.
وتعتبر خطة الأمم المتحدة للتقسيم وثيقة لتأسيس إسرائيل؛ حيث إنها كانت بمثابة الميثاق الدولي لإنشاء دولة إسرائيل، وغالباً ينسى الجميع ذلك وسط الخطابات الحديثة بشأن اعتبار العديد هيئة الأمم المتحدة كمحفل مضاد لإسرائيل.
وتضمنت الخطة أيضاً وجود دولة فلسطين العربية، ولكن بسبب الأحداث اللاحقة والتي تفوقت فيها إسرائيل بسبب أسلحتها، لم يتم تحقيق هذا الجزء من الخطة، ليبقى معلقاً وعملاً غير منتهٍ.
وفي اجتماع كل ثلاثة أشهر للأمم المتحدة غالباً يتم الحديث عن الأوضاع في الشرق الأوسط وخاصة فلسطين، وعلى الرغم من اعتبار الأزمة في فلسطين أمراً مهماً يتم نقاشه كل اجتماع، إلا أنه في أحدث اجتماع عقد، الأسبوع الماضي، أعلنت نيكي هيلي سفيرة أميركا في الأمم المتحدة أنهم لن يتحدثوا عن فلسطين ولكنهم سيتحدثون عن إيران. وأعطى داني دانون سفير إسرائيل معظم خطابه للهجوم على إيران على الرغم من أن دولته تعد طرفاً أساسياً في الصراع الفلسطيني.
وغالباً يركز المشاركون على الأزمة الفلسطينية باعتبارها عملاً غير منتهٍ، بجانب القضايا الإقليمية الأخرى الموجودة على أجندة الأعمال، وحتى مع وجود نقد لإيران من منافسيها مثل السعودية والإمارات إلا أن القضية الفلسطينية لم تختفِ من المحادثات، حيث أكد الممثل عن الإمارات ضرورة إيجاد حل للأزمة الفلسطينية؛ مشدداً على أنها مشكلة مهمة بالنسبة لحكومته، وعبّر عن قلق الإمارات بشأن إنكار حقوق الفلسطينيين بسبب غياب الحل للأزمة الحالية.
وتعتقد الحكومة الإسرائيلية أنه بسبب الأزمات الكبيرة في الشرق الأوسط فمن غير اللائق أن يتم التركيز الدولي على الأعمال غير المنتهية بفلسطين، ويراهن الإسرائيليون على عدم اهتمام دول الشرق الأوسط بالوضع الفلسطيني، ويتحدث الكثير من المتعاطفين مع الحكومة الإسرائيلية بالطريقة ذاتها؛ إذ يعتبرون أن هناك عدم نضج بسبب عدم الوصول لأي شيء فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وبالطبع كانت هذه واحدة من ضمن الأعذار المستمرة للتقاعس، وفي بعض الأوقات كان العذر هو عدم توحد الجانب الفلسطيني حتى يخرج الحوار فعال، وتجاهل هذا العذر محاولات الجانب الإسرائيلي لزيادة الشقاق. والآن العذر هو انتشار الفوضى والأزمات مثل الحرب السورية والتي يجب التركيز عليها.
وفي ورقة تم توزيعها قبيل الاجتماع الأخير لمجلس الأمن، سألت أميركا الحاضرين عن الطرف الإقليمي المستفيد من وجود فوضى في المنطقة وجاءت إحدى الإجابات صريحة وواضحة أن حكومة نتنياهو هي أكثر المستفيدين بسبب تشتيتها للمجتمع الدولي عن الاستيطان الإسرائيلي واحتلالها للأراضي الفلسطينية.
ولا يعتبر عذر عدم اهتمام العرب بالقضية الفلسطينية صحيحاً؛ حيث يتضح عدم صحة ذلك من خلال الخطابات والبيانات الحكومية بشأن الأزمة، وتعاطف الشعوب العربية مع فلسطين، واستغلال الجماعات الإرهابية لهذه الأزمة.
ولكن كان هناك بعض التشتت بسبب توجيه الانتباه لقضايا أخرى، إلا أن أسباب الاهتمام بالقضية الفلسطينية ما زال موجوداً، ومن بين هذه الأسباب التعاطف العرقي والديني والشعور بالظلم، إضافة لعلم الجميع بالأزمات التي يمكن أن تتفاقم بسبب الأزمة الفلسطينية ومنها استغلال الجماعات «الإرهابية» لها.
وخلال اجتماعهم في القمة العربية، الشهر الماضي، أكد قادة الدول العربية على دعوتهم لحل الدولتين، والتزامهم بالخطة التي بدأتها السعودية منذ 15 عاماً والتي تعرض تطبيع العلاقات مع إسرائيل في مقابل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ في حرب 1967.
وأوضحت التعديلات في الخطة أن تبادل الأراضي بين الجانبين سيكون مقبولاً بالنسبة للحكومات العربية، وقال ملك الأردن، عبد الله، في القمة: إنه لن يكون هناك سلام أو استقرار في المنطقة دون حل شامل للقضية الفلسطينية.
وما تعنيه هذه التأكيدات هو تكذيب لما يقال عن عدم اهتمام دول المنطقة بالأزمة الفلسطينية، إضافة لكذب ادعاء أن العرب لا يريدون أن يعيشوا في سلام مع إسرائيل، ورغم ذلك إلا أن التصريح الصادر من جامعة الدول العربية لم يحظ باهتمام واسع سواء في واشنطن أو في إدارة ترامب.
غالباً يكون رد الحكومة الإسرائيلية عندما تشعر بالانتباه لاحتلالها هو إعلانها أن إيران تعد المشكلة الحقيقية في المنطقة وأنه يجب التركيز عليها، واتبعت حكومة ترامب نفس خطى إسرائيل، ولا تعد هذه الطريقة فعالة سواء في علاج الأزمات المتعلقة بإيران، أو أزمة الاحتلال والتي ستصل في خلال أسابيع لحوالى نصف قرن.

عن «ناشيونال إنتريست»