حماس والوقت الضائع

thumbgen (9).jpg
حجم الخط
 

لم تأت وثيقة حماس بجديد يأخذ بالكرة إلى المرمى واخطأت هدفها لتصطدم بالعارضة؛ إذ أن هذه الوثيقة تأخذنا إلى بداية طريق كانت قد عبدتها حركة فتح وأخواتها عبر النضال الوطني الفلسطيني منذ ما يزيد عن نصف قرن من الزمان مع فارق أن فتح ومن خلال منظمة التحرير الفلسطينية أفضت إلى توقيع اتفاق أوسلو الذي قامت على أساسه السلطة الوطنية الفلسطينية التي ترفضها حماس في وثيقتها بيد أنها تفرض نفسها على الخريطة الغزية وفقاً لهذا الإتفاق الذي بمقتضاه اكتسبت شرعيتها البرلمانية عبر انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006م.

الأمر الذي يدعو للقلق أن وثيقة حماس من الممكن فهمها بأنها رسالة موجهة للعالم تحمل على الأغلب ذات المضامين التي أنتجها اتفاق أوسلو الموقع مع منظمة التحرير الفلسطينية التي تعترف بها حماس ولا تعترف بشرعيتها القائمة وبأوسلو وتشترط إعادة صياغتها للإنخراط في صفوفها ولن تأتي على ذكر التاريخ الطويل الذي سطره الكل الوطني كعماد لهذه المنظمة، وكأنها تريد أن تقول للمجتمع الدولي تعالوا بنا إلى اتفاق جديد، وبالتالي تكون قد وضعت الشعب الفلسطيني في حقل تجارب مرتين مرة حينما رفعت شعار المقاومة الذي تسجل لها بما قدمت من تضحيات دفع فيها الفلسطينيون أثماناً كبيرة خلال الحروب السابقة وهي ذاتها التي خاضتها سابقاً حركة فتح وشريكاتها في المقاومة الفلسطينية، ومرة أخرى إذا ما ذهبت باتجاه التلميح إلى اتفاقات أخرى بذات الثياب مع اختلاف مرتديها.

إن ما نخشاه أن نصبح نتسابق لنيل رضا البيت الأبيض الجديد والذي قد يجرنا إلى لعبة البديل واعتماد أوراق من يقدم تنازلاً أكثر من الآخر لا سيما وأن الوثيقة تأتي عشية لقاء الرئيس محمود عباس بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي لوح لكل الفاعلين بيد يتطاير منها الشرر نذيراً بفصل جديد يشهده العالم من خلال إعادة رسم خريطة دولية جديدة أساسها إنهاء الصراع الدائر في المنطقة العربية بما يضمن استمرار أحاديته القطبية في العالم وتأمين جبهة اسرائيل حليفتها في الشرق الأوسط الأمر الذي يتطلب منه تطويع الفلسطينيين لما من شأنه تحقيق هذه الغاية عبر رؤية جديدة لن تبتعد كثيراً عن مبادرات من سبقوه في الإدارة الأمريكية مع استخدام الأدوات الإقليمية وحالة العرب الرثة والكفيلة بتحقيق هذا الغرض.

كنا نتمنى أن تعلن حماس عن قبولها عبر هذه الوثيقة بما تم الإتفاق عليه في جولات الحوار الوطني العديدة وآخرها اتفاق الشاطئ الذي يقضي بتسليم غزة إلى حكومة الوفاق الوطني مما يعطي للرئيس عباس ورقة قوية يستخدمها في لقائه المرتقب مع الرئيس ترامب لا أن تلقي بها كعصا تعرقل عجلته التي تقله إلى البيت الأبيض في محاولة للإلتفاف على شرعيته التي يطالبه الفاعلون في المجتمع الدولي والمحاور الإقليمية تكريسها في غزة قبل مطالبته لهم بإنجاز استحقاق الدولة الفلسطينية العتيدة، وربما يترجم ذلك دعوات حماس الأخيرة إلى إسقاط شرعيته شعبياً ورسمياً وهذا يؤكد بأنها بدلأً من أن تسجل هدفاً في شباك الآخر الذي يتربص بها ويتحين الفرصة التي يضعف فيها الموقف الرسمي الفلسطيني لإجباره على تخفيض سقفه المطلبي والرضوخ للإملاءات الأمريكية والضغوط الإسرائيلية.

يبدو أن حماس قد اختارت اللعب في الوقت الضائع واختارت الإنتظار ريثما ينفض لقاء عباس- ترامب وأخطأت المرمى عن قصد لتصيب كرتها العارضة وبالتالي تعد العدة للشوط الثاني ظناً منها بأن هذا الشوط قد يمنحها فرصة تكتيكية أخرى تؤهلها لإحراز هدفها الذي من الممكن أن يطيل أمد بقائها في ظل المتغيرات الدرامتيكية التي قد تشهدها المنطقة برمتها بعد انتهاج الإدارة الأمريكية سياسة جديدة أساسها التلويح بالقوة في حسم قضايا المنطقة العربية.

فحماس تراهن على كسب المزيد من الوقت في انتظار متغير السياسة المجهول والذي لا يمكن التنبؤ به وهذا يعتبر تكتيكاً يقوم على أساس المجازفة التي لا أتوقع أن تحقق لحماس ما تريده؛ ولذلك عليها أن ترتقي بوثيقتها إلى المستوى الذي يحقق عناصر القوة للكل الفلسطيني لعلها تكون رافعة للنضال الوطني الفلسطيني وليست بديلاً عن مواثيقه التي تعمدت بالدماء والتضحيات الجسام لهذا الشعب العظيم وفي هذا السياق نتطلع إلى قيادة حماس الجديدة والمباركة وننتظر منها انقاذ غزة من خلال تمكين حكومة الوفاق الوطني وتفويت الفرصة على ما يتحين بالمشروع الوطني والذي أساسه الوحدة التي يتمناها كل فلسطيني.

حماس جزء أصيل في المنظومة الفلسطينية وقدمت من التضحيات ما يليق برفع مستوى الإنسان والقضية ولها حق المشاركة في تقرير المصير وحق لها وثيقتها الأخيرة ولكن كورقة من الأوراق الفلسطينية التي سطرها التاريخ الفلسطيني الطويل وليس معتمداً وطنياً بعيداً عن الإطار الجامع والمتمثل في منظمة التحرير الفلسطينية بما أنجزت من مواثيق ملزمة يبنى ويراكم عليها تباعاً.

وأول الكلام ليكن إضراب الكرامة الذي يخوضه أسرانا البواسل في السجون والمعتقلات الإسرائيلية خير مدعاة لوحدتنا؛ لا تقضوا مراقدهم ودعوهم يكتبون بالوحدة نشيد النصر.