أهالي غزة ضحايا صراع "حماس" والسلطة

9999471769.jpg
حجم الخط

 تبدو السلطة الفلسطينية على وشك اتخاذ قرار بوقف تسديد فاتورة الكهرباء عن غزة حيث بلغت قيمة الديون قرابة مليار دولار أغلبها ديون على مؤسسات حركة حماس وكبار شخصياتها وأنصارها، وقد اختطفت سلطات حماس الأسبوع الماضي الناشط محمود الزق لعدة ساعات لأنه كتب على "الفيس بوك" أن حماس تعفي أنصارها من فواتير الكهرباء واعتقلت 18 ناشطاً وصحفياً على خلفية ما يكتبونه عن الاوضاع في غزة.

وكانت السلطة تسدد للاحتلال على مدى العقود الماضية قيمة 120 واط من الكهرباء شهرياً لغزة و23 واط عبر خط مصري، إضافة إلى وقود شركه الكهرباء. ثم أخذت السلطة تتراجع عن تقديم الوقود للشركة وخفضت الضريبة عنه بنسبة 85 بالمئة؛ لكن إدارة حماس لم تكن تسدد أثمان الكهرباء وتتصرف بها لخزينتها، وهذا الوضع إن استمر بعد الانقلاب في غزة إلاّ أن السلطة وصلت إلى مرحلة لم تعد فيها قادرة على الاستمرار، طالما أن حركة حماس لا تورّد جباية الكهرباء إلى خزانة السلطة فهي كمن يموّل الانقسام وتوفر لحماس ميزانية شهرية أكبر مما تتصوره.

عملياً الوضع المتفاقم في غزة، حاولت حماس تحميله للحكومة الفلسطينية مع أن الأخيرة تقوم بمهامها عن بُعد كصراف آلي، لكنها لا تمارس أي سلطة على الأرض، فالصحة والتربية التعليم والشؤون الاجتماعية تتكفل بها السلطة لكن وزير الصحة جواد عواد يقول إن الأدوية التي ترسل إلى غزة تتم سرقتها من قبل سلطة حماس وبيعها للصيدليات. فحماس عملياً تجبي ضرائب غير قانونية من الشعب وتجبي الكهرباء ولا تورّد فلساً لخزينة السلطة.

هذا الوضع المأساوي في غزة لا تعيره حماس اهتماماً لأنها تعفي أنصارها من أية ضرائب بما فيها الكهرباء، وعندما أعلنت فتح عن وفد للحوار مع حماس إلى غزة صعّدت حماس من حملتها ضد فتح وأصدرت فتاوى بقتل الرئيس الفلسطيني؛ فاكتفى عضوان من مركزية فتح بعرض مطالب لإنهاء الانقسام بأن تتولى حكومة الوفاق المسؤولية في غزة كاملة دون تدخل من حماس وأن تحل حماس لجنة إدارة غزة التي شكلتها، لكن حماس ردت على الأسئلة من فتح بأسئلة مضادة بدلاً من الإجابة وطالبت بدفع رواتب موظفيها وعددهم 50 ألفاً بينما هم قرابة 20 ألفاً لأنه عندما تولت قطر دفع رواتبهم تبين أن العدد 22 ألفاً فقط، لكن حماس تريد أن تتحمل الحكومة الفلسطينية أعباء جديدة لا طاقة لها بها، إذ إن تفاهمات الدوحة تنص على أن تتولى قطر دفع رواتب حماس لثلاثة أشهر فيما تنص بنود المصالحة على تشكيل لجنة فنية إدارية لبحث أوضاعهم وتعيين من تراه مناسباً وهو ما لا تريده حماس، بل ترى أن حكومتها شرعية وأنها قد تضم بعض موظفي السلطة السابقين إليها وهذا الوضع المتناقض ينسف تفاهمات الدوحة التي رفضت حماس أن تنص على الالتزام ببنود المصالحة وعرضت كلمة«احترام» بدلا من «التزام» ولم ترد على قطر التي طلبت توضيحاً لتغيير الكلمة.

عملياً تبددت أية آفاق للتفاهم بين فتح وحماس حالياً؛ فحماس تزعم أن الرئيس الفلسطيني يريد تقديم رأس المقاومة للرئيس الأمريكي ترامب عند لقائه، مع أن ترامب ليس قلقاً من حماس، ويستطيع أن يحصل على رأسها مباشرة من الدوحة أو أنقرة. المماحكة هذه تجلب المزيد من الويلات على سكان غزة الذي باتوا يشتاقون للحياة الطبيعية والحصول على كهرباء وماء. حتى بحر غزة بات غير صالح للسباحة، بسبب توقف محطات تنقية المجاري عن العمل. فالصراع هو صراع سلطوي وليس على برامج سياسية مختلفة طالما أن وثيقة حماس الجديدة تطالب بدولة على حدود 67، لكن حماس تهرب من المصالحة لأسباب تتعلق بمشروع «الإخوان».

السلطة نفسها لا تمر بمرحلة مريحة؛ فالرئيس الفلسطيني الذي سيلتقي الرئيس ترامب لا يتوقع انفراجاً سياسياً لأن عدوه اللدود بنيامين نتنياهو يضع شروطاً يومياً لاستئناف المفاوضات آخرها وقف مخصصات أسر الشهداء والأسرى وهذا يمس حياة الآلاف من الأسر، وفيه تنكر لدماء الشهداء والأسرى، والسلطة غير قادرة على تلبية هذا الشرط حتى تحت الضغوط الأمريكية. وليس هناك حتى الآن أية استراتيجية أمريكية بشأن حل للقضية الفلسطينية، لأن إدارة ترامب في المئة يوم الأولى ما زالت بلا استراتيجيات، ويعلم ترامب أن سلطة نتنياهو في الكونغرس أكبر من سلطته، وأن نتنياهو يمسك بالحزبين أكثر مما يمسك بالكنيست «الإسرائيلي».

الوضع الفلسطيني سيبقى راكداً لكن في ثناياه بوادر انفجار، سواء في غزة داخلياً أو في الضفة ضد الاحتلال.

عن الخليج الاماراتية