سيأتي اليوم الذي ننكشف فيه على الاتصالات التي جرت بين مندوبين إسرائيليين يدعون بأنهم غير رسميين وبين شخصيات أساسية في «حماس». وأنا أعرف حالتين كهذه على الأقل، حين لم يتردد الملتقون في إجراء محادثات طويلة خلف الكواليس. بشكل طبيعي، حتى إشعار آخر، فإن أحداً لن يؤكد ولن يكشف النقاب. ومن المهم الاعتراف بأن هذه المحادثات أنتجت القليل جداً على الأرض. ميزتها هي في تعميق التفاهم حول ما يقلق إسرائيل وما يزعج (ولكن لمن يهم؟) الطرف الآخر.
لا يمكن التجاهل للتوقيت التهكمي الذي عرضت فيه «وثيقة المبادئ والسياسة العامة» لـ»حماس». فقد وقعت علينا (وإن لم يكن بالمفاجأة) في نقطة التماس بين يوم الذكرى ويوم الاستقلال. أما على أبو مازن فهبطت (لعلمه المسبق) وهو في طريقه إلى اللقاء مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض. ولا ننسى إضراب السجناء الفلسطينيين الذي يقوده مروان البرغوثي. هذه أيضاً هي الخطوة السياسية الأخيرة، إذا لم تقع مفاجآت، للامين العام لـ»حماس»، الذي يفترض أن يعتزل، خالد مشعل.
على هذه الوثيقة عملوا ثلاث سنوات على الأقل، بالتشاور مع رجال قانون، الذراع العسكري في غزة، قدامى «حماس» في الخارج (موسى أبو مرزوق)، فيلسوف الحركة (عزام التميمي في لندن، غير الراضي عن النتيجة النهائية). كما أن سجناء «حماس» البارزين في السجون عندنا ساهموا في فكرهم من خلف القضبان. من تعمق في الـ 22 بنداً، يمكن أن يلاحظ بسهولة كبيرة صراعات القوى وخلافات الرأي غير البسيطة بين «حماس» غزة و»حماس»، الأكثر تطرفاً منها، خارج القطاع.
كيفما نظرنا إلى الأمر، فإن ميثاق «حماس» الأصلي اجتاز عملية شد وجه صغيرة: أخيراً «حماس» تشطب الدعوة لإبادة إسرائيل ولكنها في نفس الوقت تقسم على ألا تتنازل عن الكفاح المسلح ضد الاحتلال، «بكل الوسائل والطرق». هذا يعني أننا لم نتخلص من المخربين الانتحاريين، أعمال الطعن، العبوات الناسفة، الأنفاق، الصواريخ وأعمال الخطف. وقبل أسبوع فقط «نلت» في البريد الإلكتروني فيلم دعاية كريه ل»حماس» – نوع من الخطة في البطن الطرية، عن الأسرى والمفقودين الاسرائيليين، الذين قررت وسائل الإعلام عندنا تجاهلهم، وعن حق.
للوثيقة الحديثة يوجد جانبان جديدان: لأول مرة تدعو «حماس» لإقامة دولة فلسطينية في حدود 67. هذا يعني انه اختفت الأحلام عن «فلسطين الكبرى» – فالوثيقة تطالب بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، بقيادة «حماس»، في كل أرجاء الضفة الغربية، قطاع غزة وشرقي القدس كمدينة عاصمة. هذا يعني أيضا دون أن يذكر الاسم الصريح، بان «حماس» تسلم بـ «دولة اخرى»، اسرائيل، كجارة من جانبها. ولكن بخلاف السلطة الفلسطينية لابو مازن، تطالب «حماس» قبل ذلك بتحرير كل المناطق المحتلة، باساليبها، دون التنازل عن شبر ودون الموافقة على تبادل الاراضي.
تربط قيادة «حماس» الوثيقة الجديدة بالجهود للتخلص من صورة المنظمة الارهابية. فهاهم يتنكرون للعلاقة مع الحركة الام «الاخوان المسلمين» ويتعهدون امام مصر والاردن «بعدم التدخل في شؤون الدول الاخرى». كما أن هذا هو السبب الذي يجعلهم يعلنون بان ليس ل»حماس» شيء ضد اليهود واليهودية، بل فقط ضد «الاحتلال الصهيوني».
مشعل ورفاقه يطلقون ايضا غمزة داهية للرئيس ترامب والاسرة الاوروبية: خذونا، نحن وأنتم نعرف ان ل»حماس» شعبية في الشارع الفلسطيني أكثر من فاسدي فتح. اعطونا الفرصة التي نستحقها لاننا «الحركة الوطنية للتحرير»، وابو مازن يقلص الرواتب ويطفيء الكهرباء لانه فقد القوة.
اذا كان ممكنا التعاطي مع «وثيقة المبادىء» كموقف اولي لمواصلة الحوار السري وادخال تعديلات عليها، فانه مسموح تشويش الحسابات الطويلة مع «حماس» والسير معا نحو فجر يوم جديد. ولكن «حماس» هي حركة ايديولوجية عنيدة اقسمت على عدم الاعتراف باسرائيل، على مواصلة العنف وعلى عدم التحرك عن سنتيمتر واحد من الارض. في هذا الموضوع أنا اصدقهم.
عن «يديعوت أحرونوت»