الولايات المتحدة وكوريا الشمالية: التفكير المرن

_95858182_gettyimages-trump_kim.jpg
حجم الخط

رغم أن الازمة الشديدة بين واشنطن وبين بيونغ يانغ بعيدة عن النهاية، فان الطريقة التي تُدار بها حتى الآن من قبل البيت الابيض تعبر عن التصميم والهجومية، لكن بدون الدخول الى أخطار غير مدروسة، والامتناع عن المغامرات على شفا الهاوية. خلافا لسلفه اوباما، الذي وضع باللون الاحمر الفاتح الخط المتعلق باستخدام السلاح الكيميائي من قبل بشار الاسد، لكنه تملص من الالتزام الواضح بالعمل في لحظة الحقيقة، أما وريثه دونالد ترامب فقد قام بوضع الخط الاحمر بخصوص السلاح النووي لكوريا الشمالية مع ابقاء هامش للمناورة.
اضافة الى جهود اصلاح الردع الأميركي واظهار الوجود في الساحة السورية ايضا واستخدام القوة، يعمل الرئيس ترامب من خلال عدة أدوات لمنع التدهور الخطير في المواجهة مع كوريا الشمالية. فقد امتنع عن التعريف الدقيق للخط الاحمر الذي سيلزم تجاوزه الادارة الأميركية بالرد العسكري الاوتوماتيكي. وبدل ذلك يؤكد ترامب مرة تلو الاخرى على عدم التسليم بتحول بيونغ يانغ الى دولة نووية، ومن اجل افشال ذلك لا يقوم بالغاء خيار استخدام القوة العسكرية. هذا الغموض النسبي يُمكن واشنطن من الامتناع عن الرد بعيد المدى على ضوء استمرار اطلاق الصواريخ البالستية متوسطة المدى من الشمال. وطالما أن كوريا الشمالية لا ترفع مستوى التحريض والتحرش أمام الضغط والتحذير الأميركيين، وهي تمتنع حتى الآن عن الصعود درجة اخرى في افعالها (مثلا مثل اطلاق الصواريخ البالستية بعيدة المدى).
في نفس الوقت تقوم الولايات المتحدة بتطبيق مبادئها الاستراتيجية بشكل طاهر في الجبهة الكورية. اضافة الى ارسال قوة بحرية كبيرة الى المنطقة، وكذلك المناورات العسكرية المشتركة مع جيش كوريا الجنوبية وجيش اليابان، وجميع مساعدي الرئيس يعملون بدون تأخير من اجل تحويل الصين الى لاعب رئيس، أي انضمامها الى العقوبات ضد نظام كيم، وهكذا استخدام روافع ضغط اخرى ثقيلة على حليفتها كوريا الشمالية.
إن تجنيد بكين الى معركة الضغط الاقتصادي دفع البيت الابيض الى تليين مواقفه بالنسبة للصين. صحيح أن ترامب صعد على مسار المصالحة في تعاطيه مع القوة العظمى الصينية، إلا أن هذا لا يوجد فيه أي خلل، بل العكس، هذا التغيير يعبر عن قدرة الرئيس الـ 45 على الامتناع عن التشبث بموقفه، الامر الذي يمكنه من ملاءمة سياسته مع المتغيرات. يجب علينا تذكر أنه اثناء ازمة الصواريخ الكورية في تشرين الاول 1962، عبر جون كنيدي عن مرونة في التفكير، حيث لم يتردد في التحرك من القطب الصقوري وتأييد العمل العسكري ضد مواقع الصواريخ السوفييتية باتجاه البديل الاقل خطورة وهو فرض الحصار البحري على كوبا.
نفس الأمر ينطبق على الاستعداد العلني للرئيس ترامب للالتقاء مع زعيم كوريا الشمالية (في الظروف المناسبة)، حتى لو كان هذا غير عملي، إلا أنه في التصريح شهادة على قدرة ترامب على التفكير خارج الصندوق وتجاوز الانماط السياسية الروتينية. الايام ستقول اذا كانت هذه الاستراتيجية ستثمر، أم أننا سنبقى نعيش في ظل التهديد المستمر.

عن «اسرائيل اليوم»