هل هي «تكويعة» لتحصيل القبول؟

صادق الشافعي.jpg
حجم الخط

في وثيقة حركة حماس كما أعلنها الأخ خالد مشعل والتي تبدو اقرب الى برنامج حكم اكثر منها وثيقة تنظيم، بندان  يحملان الجديد ويثيران جدلاً عميقاً ويطرحان أسئلة جدلية هامة. بقية البنود عادية او استعادة وتأكيد لما سبق، وعدد منها وضع لتفسير وتبرير أحد البندين المذكورين.
البندان المعنيان يلتقيان في الجوهر، رغم ما يبدو بينهما قبل التدقيق، من تباعد، يتفقان ويلخصان الهدف المركزي المقصود من وراء الوثيقة.
والهدف المركزي، كما يبدو، هو حصول حركة حماس على قبول دولي واقليمي بوصفها حركة سياسية تمتلك درجة من الواقعية تمكّن من التعامل معها كتنظيم فلسطيني أساسي مواز للسلطة الوطنية، وربما في مرحلة لاحقة بديلا عنها. ويلفت النظر في هذا المجال ان الوثيقة لا تقول ان المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني كما  يجمع عليه الكل الفلسطيني شعبياً وبرامجياً، وتصفها بدلاً من ذلك بـ " إطار وطني للفلسطينيين كافة" وهو ما يسمح بوجود إطارات أُخرى.
ثم هناك ملاحظة أساسية حول التوقيت.
اول البندين المعنيين يقول:
"... فان حماس تعتبر ان اقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، وعاصمتها القدس، على خطوط الرابع من حزيران/يونيو 1967مع عودة اللاجئين والنازحين الى منازلهم التي اخرجوا منها، هي صيغة توافقية وطنية مشتركة".
نسبة كبيرة من جمهور حركة حماس الواسع والممتد والذي ايدها على اساس ميثاقها القديم رأت في هذا البند اعلانا عن دخول حماس مربع " التكويع". ولم  تر في كل البنود المرتبطة بهذا البند، والكلام الكثير حول تفسيره وتبريره، والذهاب الى الاستراتيجيات والتاريخيات والاسلاميات اكثر من مقبلات لتبليع البند وما حمله من تغيير برنامجي تراجعي. وترى في تبنّي حماس لهذا البند التحاقاً بالمسار السياسي الذي ظلت متحفظة عليه والذي تبلور كبرنامج وطني اقره المجلس الوطني في 1988.
في مؤتمره الصحافي لتقديم الوثيقة، وفي تفسيره وتبريره لهذا البند اتكأ الأخ مشعل كثيراً وبتوسع على كلماته الأخيرة "...هي صيغة توافقية وطنية مشتركة".
لم يحصل في اي وقت، وفي اي اجتماع او مؤتمر او تفاوض ان اشترط اي طرف فلسطيني على حماس تبني البند المذكور او شبيه له، ولا ورد ذلك في اي من بنود الاتفاقات العديدة التي توصلت لها الأطراف الفلسطينية (بغض النظر عن درجة التقيد بها واحترامها). ولم تكن حماس مضطرة، في اي وقت، لتبني هذا البند تحت ضغط الرغبة الوطنية للتوصل الى " صيغة توافقية وطنية مشتركة".
ومنذ متى كان مفروضاً وشرطاً على كل مكون من مكونات كيان جبهوي كمنظمة التحرير، او ائتلافي كحكومة وحدة وطنية، ان يلغي من برنامجه اي بند يتميز به وخاص بفكره ومبادئه طالما انه لا يتناقض مع البرنامج الجبهوي العام.
ايضا، لم يكن هناك مطلب شعبي، ولو بأضيق الحدود، يطالب او يضغط على حماس لتعديل وثيقتها والقبول باقامة دولة على حدود 1967 وعاصمتها القدس، بما يعنيه ذلك من قبول ولو مؤقت لوجود دولة الاحتلال.
الواقع هو عكس ذلك، فان هناك كثرة شعبية فلسطينية وقوى وتنظيمات سياسية لا تزال تؤمن بزوال اسرائيل وتتحفظ على حل الدولتين. وهناك ايضا كثرة من المؤمنين بالحل السياسي المرحلي وبالمفاوضات، يرون في مواقف الكثرة الاولى منفذا يتكئون عليه في مواجهة مواقف صعبة يواجهونها ومطالب لا يمكنهم القبول بها.
 وثاني البندين المعنيين هو الذي يقول "حماس جزء من مدرسة الإخوان فكريا فقط، لكننا تنظيم فلسطيني مستقل قائم بذاته ومرجعيته مؤسساته القيادية ولسنا تابعين لاحد". يبدو النص، اذا ما قرئ بدون خلفيات وشكوك، وكأنه إعلان قطع مع حركة الإخوان ومرجعيتها. ويبدو موجها لخدمة هدف الحصول على القبول الدولي والإقليمي المشار اليه، وموجهاً بشكل خاص  لتحسين العلاقة مع دول في الإقليم صنفت حركة الإخوان في خانة الإرهاب، وموجهاً بشكل اخص الى دولة مصر الشقيقة.
حركة حماس استفادت في هذا الإعلان من غياب المركز القيادي المصري الحاكم  لحركة الأخوان العربية والعالمية بعد سقوطهم في مصر، وعدم تبلور مركز قيادي بديل على نفس القدر من المركزية والتحكم.
وأما الملاحظة حول التوقيت فإنها تبدأ بالسؤال:
ألم يكن أفضل وأنسب لو تأجل إعلان الوثيقة لأسبوعين إضافيين مثلا، فوق السنتين التي استغرقهما إعدادها؟
مع الأخذ بالاعتبار هدفها المركزي كما تقدم، فقد تم الإعلان عن الوثيقة:
1-  في ذروة الإضراب عن الطعام الذي يخوضه أسرانا البواسل في سجون الاحتلال وبهاء الحالة الجماهيرية الشاملة المساندة للإضراب، وما يفرضه ذلك من ضرورة الوحدة حول الحدث والتركيز وتسليط كل الأضواء والجهود عليه، وعدم تشتيتيها أو إضعافها بأحداث تثير الجدل وتستحضر معه الخلاف.
2- قبل يومين فقط من لقاء الرئيس عباس مع الرئيس الأميركي. ومع عدم التعويل على هذا اللقاء وما قد يخرج عنه، فإن إعلان الوثيقة بهذا التوقيت يضعف من تمثيلية الرئيس للكل الفلسطيني ومن قوة موقفه بالتالي.
3- في أيام تعلو فيها موجة الانقسام والخلافات الداخلية الى ذروة غير مسبوقة وتكتسب تعبيرات مخيفة.
اذا ركبنا الموجة الإيجابية المتفائلة، هل نتوقع مبادرات وإجراءات باتجاه استعادة حال التوافق الوطني المشترك تلحق باعلان الوثيقة؟
مظاهرة حماس في غزة وحرق صور الرئيس ورفع بوسترات وإعلانات انه لا يمثلهم، وبحضور كل قياداتها المعروفة، ثم اعتقال امن حماس مئات من كادرات حركة فتح في القطاع والصور التي انتشرت عن عنف عمليات الاعتقال والضرب المبرح بالهراوات، تعطي جواباً سلبياً ....ولا تبشر بالخير.