جدار غزة .. وصفة لحرب قادمة

عبد الناصر النجار.jpg
حجم الخط

تسارع إسرائيل في إقامة جدار الفصل العنصري حول قطاع غزة؛ بذريعة الحفاظ على أمنها والحد من خطر الأنفاق، في الوقت الذي يشير فيه إصرار الاحتلال على إقامة هذا الجدار، إلى سعي إسرائيل إلى فرض مزيد من الحصار الخانق على قطاع غزة المحاصر جواً وأرضاً وبحراً.
جدار الفصل العنصري حول القطاع سيمتد على طول 65 كيلومتراً تقريباً تحت الأرض وفوقها، بحيث يصل عمق الجدار تحت الأرض إلى عشرات الأمتار من الحديد المسلح والإسمنت، إضافة إلى احتوائه على مجسات إلكترونية قادرة على تحديد أي تغيير في بنية التربة تحت أساس هذا الجدار الأكثر تطوراً في هذا المجال.
الجزء الذي سيكون فوق الأرض سيرتفع 8 أمتار، مثل الذي أقامته إسرائيل على الحدود المصرية، مع نقاط مراقبة متطورة لتحديد أي حركة قرب الجدار.
مساحة قطاع غزة المحدودة جداً، تخنق سكانها بكثافة هي الأعلى في العالم، بعد أن بلغت في العام 2015 (4986 فرداً في الكيلومتر المربع) في حين أن متوسطها العالمي هو (13.3 فرد لكل كيلومتر مربع).
إذن هو حصار على حصار على حصار، الحصار الأول جاء بعد النكبة، عندما أجبر مئات آلاف الفلسطينيين الذين هجروا قسراً من مدنهم وقراهم على اللجوء إلى قطاع غزة والإقامة فيه، بحيث اكتظ القطاع باللاجئين الفلسطينيين، وأصبحت الكثافة السكانية في مخيماتها غير مطاقة وحوصر سكانها في حارات وأزقة ضيقة لا تتسع لمرور أكثر من شخص أو اثنين في بعض المخيمات. ضغط الحصار لا شك في أنه يولد الانفجار.
أما الحصار الثاني، فجاء بعد اتفاقات أوسلو، وما تلاه من عمليات داخل إسرائيل، وجدت تل أبيب فيها ذريعة لفرض حصار على القطاع بشكل تدريجي، بدأ بمنع السيارات القادمة من غزة من دخول منطقة الخط الأخضر، ثم سياسة التصاريح التي انتهت بعد الحرب الأولى إلى إغلاق وحصار شاملين للقطاع.
لم يبق أمام مواطني قطاع غزة كوسيلة للسفر، الآن، سوى معبر رفح، والذي هو شبه مغلق طوال العام باستثناء أيام محدودة كل عدة أشهر، والممر الثاني بيت حانون "إيريز" والذي يفرض شروطاً تعجيزية على المسموح لهم بالمرور إلى الضفة أو الخارج، ونحن هنا نتحدث عن عشرات المواطنين من المرضى أو أصحاب الاحتياجات الإنسانية.
قرار إسرائيل الآن البدء في إقامة الجدار يعني بالأساس الشروع بحرب غير معلنة على قطاع غزة من خلال فرض المزيد من الضغط والخنق على "علبة السردين" في هذا الشريط الساحلي الضيق.
التجارب أثبتت أن الضغوط بأشكالها كافة لا تجلب سلاماً وإنما مزيد من الحروب، وكأن إسرائيل تسعى إلى إغراق القطاع في حرب جديدة لا يرغب بها الفلسطينيون.
وإذا ما رغبت السلطات الإسرائيلية في الحفاظ ولو بالحد الأدنى من الهواء لسكان القطاع، فإن البديل هو رفع الحصار عن قطاع غزة وجعله يتنفس ويشعر بإنسانيته.
دون ذلك لا مجال أمام سلطات الاحتلال إلا المواجهة، خاصة عندما يفقد الإنسان المقومات الأساسية للعيش الحر والشعور بآدميته، هنا يصبح اتخاذ القرار بالمواجهة أقرب على الرغم من أنه الأكثر كلفة على جميع الصعد.