مع كل مؤتمر للشباب استمتع بدعوة كريمة . وبمتعة متابعة محاولات تكوين ملامح المستقبل، لكن المؤتمر الأخير كان يمثل نقطة النضج التى تمثل تحولا مهماً فى هذا المشروع .
ولأن ذلك كذلك تكون هذه الملاحظات الصديقة محاولة فى رؤية الأمل المقبل . وأبدأ بإسهامات الحكومة .. وأعتذر إذ أقول إنهم كانوا نمطيين يكررون ما يخاطبوننا به كل يوم عبر مماحكاتهم الدءوبة واللا مجدية عبر وسائل الإعلام .. وتأتى العبارات غير مكتملة لتقود إلى إقناع غير قادر على التأثير . كمثال سألنى شاب فى فترة الراحة ، رئيس مجلس الوزراء قال إن الضريبة فى مصر 13% وفى فرنسا 40% ، وانجلترا 40% ولم يفسر لماذا يذهب المستثمرون هناك ولا يأتون . وآخر سألنى إذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يرفعون الضريبة ويحلون بعض مشكلات الفقر .
وعند الحديث عن إجراءات مكافحة الغلاء تبدى الأمر وكأنهم يحلون المشكلة عبر تحويل الفقراء إلى متسولين وهى مذلة ، لا نقبلها، فللمواطنون حقوقهم فى نصيب ولو شبه عادل من الدخل القومى . حق وليس صدقة . باختصار كله تمام ومفيش أحسن من كده .
ونأتى إلى مساهمات الشباب . وأبدأ بملاحظات شكلية لكنها مهمة بانعكاساتها . كانوا على المسرح غير ما هم عليه فى حياتهم اليومية.. ملابسهم رسمية أكثر من اللازم بما يفاصل بينهم وبين أقرانهم العاديين، وحتى بين ملابسهم فى حياتهم اليومية، وهم مشدودون على المسرح جافين وتحركاتهم وألفاظهم تنقصها روح الشباب ومرحه ، والأهم من ذلك أنهم قدموا ملاحظات واقتراحات هامة وإيجابية لكنها ملتزمة بالسياق الرسمى أى من داخل الصندوق وبها بعض ابتكار لكنها أيضا فى ذات السياق ، وهناك فارق أن يكون التدريب نحو روح ابتكارية وبين روح انتقادية . فالمطلوب من هذا الجيل ألا يجارى السائد ويضيف إليه إن استطاع ، وإنما أن يواجهه بنظرة انتقادية ثم يستخلص من نقد الممارسات الخاطئة وهى كثيرة جدا مبادرات للإصلاح ، وروح شبابية جديدة فى تجديد الأساليب والممارسات والحلول .
فيتبدى الأمر وكأنهم قد تلبستهم تلك الحالة التى تتلبس وزراءنا فى الانصياع للسائد والحلول المدرسية الخالية من الإحساس المنحاز للفقراء ، باختصار كانوا رسميين أكثر من اللازم ففقدوا القدرة الشابة على التأثير فى الناس العاديين الذين سيعتبرونهم "مذاكرين كويس" وليسوا نقيضاً أو بديلا .
واستثنى من ذلك محاكاة الدولة، حيث وجد شبان يعارضون ويحاولون ولكنها فى العموم كانت محاكاة رسمية أكثر من اللازم وكان الأفضل – فى اعتقادى – أن يطلق سراحهم فى الانتقاد والاعتراض ربما ليجبروا الوزراء ورئيسهم على إجابات مطلوبة أو تعهدات ضرورية، وربما أيضا ليكونوا قادرين على منح الناس أملا فى أن المستقبل سيكون أكثر حرية وحيوية وقدرة على تصويب الانحيازات والمواقف، ولكن هذه الملاحظات التى قد تغضب البعض لا تنفى عن هؤلاء الشبان أنهم يستحقون إعجابى الشديد وأن كانوا قد اكتسبوا من جانبى إعجابا أكثر بكثير فى مناقشتى معهم خارج المحاكاة فهم فى وضعهم خارج المسرح أفضل كثيرا جدا من كونهم مجرد محاكين للآخرين .
وأقول لجميعهم يا شباب كانوا شبابا عاديين وحذار من أن تكونوا مشدودين كما كنتم فى المحاكاة، فقد ينعكس ذلك على بعضكم فى صورة ترفع يعزله عن الناس .
بل كونوا مثل الناس البسطاء قولوا كما يقولون ، والبسوا ثيابكم العادية جينز وتى شيرت وتحمسوا بحرية وحيوية وانطلاق ودون حذلقة يجيدها بعض وزرائنا الحاليين فيفاضلون بين أنفسهم وبين الناس . وربما كان الرئيس فى حواراته هو الأكثر انتقادا للوزراء والممارسات .
والأكثر إحساساً بأن البعض من التصرفات والقوانين الصحيحة تكتسب مذاقا خاطئا من أسلوب تنفيذها الفج والمتسرع والخالى من الفطنة . وعندما تبدى الغضب الرئاسى وتحدث ببعض من العصبية أدرك الجميع حقيقة موقفه من تصرفات وزرائه وخبرائه ومحافظيه ، وأتمنى أن يكونوا قد تلقنوا بعضا من الدرس الضرورى .
وإذا كان عام 2018 قد كرسه الرئيس ليكون عاما لذوى الإعاقة وما تبدى منه إزاء من كانوا فى المؤتمر من حنان دافق ربما يكون درساً لبعض المسئولين الكبار والصغار الذى يمتلكون قلوبا صخرية تعتبر ذوى الإعاقة مجرد “كمالة عدد” وعبئا ثقيلا. أما حواراته المفتوحة فقد كان فيها أكثر تألقا .. ولكن .
وأنا لا أضع ولكن هذه معاندة وإنما مساندة . فحتى الآن لا يعرف الكثيرون جدا كيف تم اختيار هؤلاء الشباب ولا لماذا ؟ ولا أين ؟ وأنا سألت وعرفت فلماذا لا يكون الشرح عاما عبر إعلام مفتوح للجميع . كما أن شروط الاختبار تأتى فى اعتقادى مستعصية على الشاب العادى الذى درس فى مدارس وجامعات حكومية ، وأيضا درس فى كليات العلوم الإنسانية، فهل من حق هؤلاء أن يستشعروا أن ثمة معاملة تمييزية تغلق أمامهم باب الطموح ؟ وكذلك مشروع تدريب حملة الماجستير والدكتوراه .
وأنا لا أحب أن أغلق الباب أمام أحد ولكن لماذا لا تكون نظرتنا أكثر شمولا. وباختصار يا سيادة الرئيس أنا أسأل هل سأل أحد عن تأثير ما يأتى من التليفزيونات من مشاهد شباب يتحدثون ويحاكون ويتلقون وعودا، على الشباب الآخرين . مثلا على فلاح فقير أنهك نفسه وكل أسرته وكل ما يكسبه لكى يعلم ابنه ويجلس مزهوا فى قريته فخورا بابنه الذى حصل على "دبلون" الزراعة مثلا.. وأن الحرفى الذى حصل ابنه على "دبلون" الصنايع.
لماذا يا سيادة الرئيس لا تفتح لهم أحضانك وتفتح معها باب أمل . فمثلا هل يمكن أن تكلف المحافظين بأن يدير كل منهم مشروعا لاستيعاب وتدريب خريجى الدراسات المتوسطة واستيعابهم بعد ذلك للعمل المثمر فى الجمعيات الزراعية والإرشاد الزراعي، ولحملة دبلومات الصنايع فرص للتدريب فتتسع أحضان الوطن باتساع الوطن لكل شباب الوطن ؟ وختاما كل الاحترام واجب للشباب الذين أبديت ملاحظاتى عنهم ، فما أنا إلا عاشق لم يجد بدا . ويا ليتنا نمتلك المزيد منكم فكلما زدتم أصبحت مصر أفضل .
عن الاهرام