من السهل جداً أن يصحو المرء في الصباح على ديمقراطية في فرنسا. ويدور الحديث عن جمهورية لم تستسلم لاغراءات الجانب الظلامي.
لم تسر مضللة خلف شعارات فارغة، أو حقائق عليلة، أو انباء زائفة من انتاج الكرملين.
من السهل الحديث عن السبيل الذين لم تخنه فرنسا، وعن الشكل الذي ثار فيه الفرنسيون، ثاروا بحماسة أخيرة للعقلانية في مواجهة عالم آخذ في الظلام، مصممين على ان يُظهروا أنه في المكان الذي نشأت فيه المبادئ الحديثة لليبرالية فانها لن تموت.
هذا سهل، والحقيقة هي أن هذا صلب أيضا. لقد كسرت فرنسا، أول من امس، الميل العالمي. فقد أعادت ابعادا من اليقين الى الساحة الدولية، يقينا اخذ في الافلات من بين أصابعنا. لا، الاتحاد الاوروبي لن يتفكك بهذه السرعة. لا، ترامب وبوتين لا يختاران الامراء الذين يخدمون ايديولوجيتهما. والدليل: كلاهما رغبا في لوبان وحصلا على صيغة فرنسية لاوباما. كابوس لكليهما، ولا سيما للكرملين.
من كل جنونيات وحملات استعراض بوتين فان ما تلقاه هو اوروبا ميركيل، ماي وماكرون.
ثلاث شخصيات يمقتونه حتى اعماق نفوسهم، يرون فيه خطرا وجوديا حقيقيا على اوروبا. سيتنازعون على خروج بريطانيا وعلى امور كثيرة اخرى، ولكن في لحظة الازمة يمكن لبريطانيا، المانيا، وفرنسا ان تتحد في مواجهة القيصر في موسكو. وهم سيفعلون ذلك باحساس عميق من القناعة، ومن غرسها هو بوتين نفسه. وسينضم اليهم اعضاء المؤسسة الامنية التي عينها ترامب، مناهضين للروس، مثل ماتس وماكماستر. يريد الرئيس الروسي غربا ضعيفا ورقيقا، وهو يتلقى غربا كفاحيا مع زعماء لكل واحد منهم حساب غير مصفى معه. هذه ليست قصة غرام روسية، هذا كابوس روسي.
لماذا لم يحصل للفرنسيين ما حصل في الولايات المتحدة؟ التفسيرات متنوعة والخطأ في السؤال بالطبع. فالمقارنة لا يمكن أن تنجح. مارين لوبان ليست ترامب. ولكن اذا كان السؤال لماذا امتنع الفرنسيون عن المجهول غير المتوقع، فالجواب البسيط هو أن لديهم الكثير مما يخسرونه. الدولة الفرنسية محملة بالمشاكل ومواضع خلل بنيوية حادة. ولكن الفرنسيين لا يزالون يتمتعون بالجهاز الصحي الافضل في العالم في الدول الصناعية الكبرى. بجهاز تعليمي يمكن حسده فقط. باسبوع عمل مريح نسبيا وبدولة قضت قبل سنين بان العائلة هي قيمة يجب حفظها. فهم لم يحبوا ماكرون او لوبان ولكنهم لم يرغبوا في أن يخسروا ما يوجد لديهم ، وفي قلوبهم كانوا يعرفون أن هذا ليس قليلا على الاطلاق.
لقد انتخبوا «الاستمرارية»، قالت مارين لوبان باستياء، أول من أمس، وهي محقة: الدولة الفرنسية قد تكون مشققة ولكنها ليست محطمة. من يرى الاضطرابات في الاحياء لا يريد أن تصبح هذه حربا أهلية. والتخوف الذي طرحته لوبان كان كافيا كي يرفض الجمهور برامجها.
واجب البرهان هو على الرئيس الجديد، الشاب جدا. الكندي الفرنسي، الاوباما المحلي، كل هذه الاوصاف لا تساوي شيئا في هذا الصباح، بلا حزب برلماني سيضطر ماكرون ليثبت كفاءات سياسية في مستوى يوازي ديغول.
لا يوجد اي دليل على أنه مهيأ لذلك. ولكن هذه هي المهمة التي أرادها، هذه هي المهمة التي كلف بها. اختارت الجمهورية الحياة، اختارت اعطاء فرصة اخرى للطريق الوسط الديمقراطي، الباعث على السأم، والفاسد أحيانا. هذا هو أهون الشرور. ماكرون سينضم إلى الهجوم على هذه الفرصة، ولعلها الأخيرة.
عن «يديعوت»