«على كيس السُّبة» أو «هاته نحرث عليه»!

حسن البطل.jpg
حجم الخط

هاكم طرفتان لغويتان: فونيّة (صوتية) وجمالية: للختيارة فرحة أولاد أسرى في سجون إسرائيل، وكذا كان لها في سجون سورية. لمّا زارت أولادها في سجن إسرائيلي، ناداها السجّان «فرخة»، ومن فورها ردّت: «فرخة خلّفت ديوكاً.. ديوكاً يلعنوا اباك».. رحمها الله!
فإلى الطرفة الجمالية، من عاشق فلسطين جان جينيه، فقد رأى في شكل حروف اللغة العبرية شبهاً بعدة النجّار والحدّاد المعلقة على الحيط!
هل أضيف طرفة ثالثة، وهذه المرة عن الجهل؟ في نفيها لوجود شعب فلسطين، رأت وزيرة الثقافة، ميري ريغف، في خلو اللغة العربية من حرف (P) حجة سفيهة من حججها.
تخلو العبرية، ذات الـ22 حرفاً من حرف «الحاء» وغيرهما؛ وتخلو العربية ذات الـ28 حرفاً من حرف (P)، وليس في هذا وذاك حجة، ما دامت اليونان هي «إلاّذا» بلسان أهلها و”GREECE” بلسان اللغات الأوروبية، واليابان هي «نيبّون»، أيضاً، لكن اللسان العربي قادر على لفظ ما لا يوجد في لغة الضاد، بينما اللسان العبري لا ينطق بحروف الحاء، القاف، الضاد، والعين. ما المهم إذا «زقزق» العصفور أو «سقسق»، أو كانت ألمانيا هي «جرمن»!
السلطة الانتدابية رتّبت لغات فلسطين الرسمية كالآتي: الإنكليزية، العربية والعبرية، وفي «قانون القومية» الذي قدمه المخابراتي آفي ديختر، إلى لجنة التشريع الحكومية، مقترح لخفض العربية من رسمية إلى محظيّة. هذا ضرب من السخف اللغوي الشوفيني ـ التهويدي، لكن الخطير فيه هو أن من حقّ اليهود، إن شاؤوا، أن يتمتعوا بالسكن بمفردهم في مناطق تخلو من الناطقين بحروف الحاء والقاف والضاد والعين!
كنتُ ذات عام في حيفا المختلطة، لما كان رئيس بلديتها الجنرال عميرام متسناع، المؤيد للسلام، وقائد سابق للضفة الغربية، الذي دردش مع صاحبنا نبهان خريشة حول معاني احتفال بلدية حيفا بمصادقات متقاربة زمانياً لأعياد يهودية وفلسطينية، تحت عنوان «عيد الأعياد» (هاغا شل هاغاييم) الذي نظمه «بيت الكرمة ـ بيت ها غيفن». متسناع سأل خريشة: أين تعلمت العبرية؟ أجابه: في سجونكم!
كل الفلسطينيين في إسرائيل يتحدثون فيما بينهم بلغتهم الأم، ومع يهود إسرائيل بعبرية طلقة، أكثر من طلاقة معظم اليهود السوفيات مثلاً.. وكذا خريجو سجون إسرائيل، وعمالنا في إسرائيل ومستوطناتها، أيضاً، التي لا يسكن فيها غير الناطقين بالعبرية.
سيحال «قانون القومية» إلى الكنيست، ثم إلى محكمة العدل العليا، كما حال سلسلة قوانين عنصرية سنتها الكنيست الحالية بخاصة، لتأكيد أن «اليهودية» تتقدم «الديمقراطية» في تعريف دولة إسرائيل.
تكثر إسرائيل من التباهي بأن حال الفلسطينيين فيها أسعد حالاً من إخوانهم في الأرض الفلسطينية المحتلة، وهؤلاء تحت احتلالها أسعد حالاً من إخوانهم في الشتات الفلسطيني العربي.
تعرفون أن إسرائيل تشتكي من «الغالبية الآلية» المؤيدة للفلسطينيين في الأمم المتحدة ومنظماتها، لكنها فاخرت بواقعة صوت القاضي العربي جبران، الذي رجّح كفّة الحكم بالسجن على ايهود اولمرت، وكذا ازدياد أعداد الأطباء والمهندسين والأكاديميين الفلسطينيين في إسرائيل، منذ تحسّر اوري لوبراني لأنهم لم يظلوا «حطّابين وسقّائي ماء»!
يكاد معسكر السلام في الكنيست يقتصر على نواب القائمة العربية المشتركة ونواب «ميرتس»، ورئيس القائمة العربية أيمن عودة، قال: نحن إسرائيليون بنسبة 100% وكذلك فلسطينيون بنسبة 100%، ولم يقل صهاينة أو عبريون مثلاً.
فازت القائمة بـ87% من الأصوات العربية الصالحة، بينما نالت الأحزاب الصهيونية ما نسبته 13%، وشارك في آخر الانتخابات 64,2% من الأصوات العربية، وبينما تتذبذب مقاعد الأحزاب الصهيونية، فإن هناك ثباتاً في عدد مقاعد القائمة، كقوة ثالثة في الكنيست، قابلة للزيادة لا للنقصان.
ليس لدى الفلسطينيين أزمة هُويّة قوميّة وانتماء، ولا يميزون بين كونهم عرباً أو فلسطينيين، وإن حاولت إسرائيل تمييزهم: مسلمين، دروزا، مسيحيين، بدوا، أو بين «قوميتي» و»مواطنتي»!
في احتفالات إسرائيل بتأسيسها، تصيّدت مشاركة جراح فلسطيني، يشغل رئيس قسم الجراحة في مستشفى هداسا، في إضاءة واحدة من 12 شعلة ترمز إلى أسباط إسرائيل، الأمر الذي أثار جدلاً ونقاشاً، تناوله المحامي جواد بولس في جوانبه الفردية والسياسية والأكاديمية، ودلالاتها، وخلص إلى الحكم: فات د. أحمد عيد أن دولة إسرائيل هي التي لا تريدنا مواطنين كاملي الحقوق وإن اصطادت إسرائيل بعض عصافير تغرد خارج السرب.
سبق لقلم أدبي وسياسي وبرلماني، يكتب بالعربية، هو اميل حبيبي، أن قبل منحة جائزة إسرائيل في الأدب، وتسلمها من اسحق شمير.. لكنه أوصى بكتابة عبارة «باقٍ في حيفا» على قبره!
لاحظ جواد بولس أن مشاركة البروفيسور العربي في احتفالية 50 عاماً على توحيد القدس (وهو ليس بمقدسي؟) سبقته مشاركة عربي في احتفالية سبقت الـ»البطولة المدنية» وكذا مشاركة امرأة عربية في احتفالية «روّاد إسرائيليون».
«إنها حياتك، وأنت حرّ ومسؤول عن خياراتك فيها، لكنه كان خياراً ذا أبعاد عامة وسلبية، وحتى لو لم تع ذلك، ولم تتقصده، فيبقى من المستحيل علينا أن نتفهمك» قال جواد بولس.
نعم، حال الانقسام الفلسطيني، وحال الاحتراب العربي والإسلامي، قد يدفع حالات فردية، إلى الانتماء لدولة تصف نفسها يهودية وديمقراطية، لكن في السياق الجمعي العام، فإن الانتماء العام إلى هُويّة وقوميّة فلسطينية وعربية هو الاتجاه الغلاب.
في حوار تلفزيوني قديم بين محمد بركة وأفيغدور ليبرمان، طلب الأخير من بركة أن «يذهب إلى مكة» فردّ عليه: «أنا هنا قبلك، وباقٍ بعدك.. اذهب إلى الجحيم».
تُذكّرني قصة البروفيسور العربي بمثل شعبي فلسطيني في إسرائيل، حكاه لي النصراوي جورج خليفة، وهو: «هاته نحرث عليه» ومثل فصيح عربي «التلم الأعوج من الثور الكبير».
وتُذكّرني مشاركة نواب عرب في الكنيست بمثل شعبي سائر في غوطة دمشق، لمّا تحتاج لعبة أولاد ما إلى كمالة العدد هو «من كيس السُّبة» أي من دون مشاركة عربية في الكنيست تصير هذه لعبة ديمقراطية يهودية لليهود فقط، دون مشاركة السكان الأصلانيين، الذين هم فلسطينيون وعرب.