حماس والإخوان وشهور العِـدة

سوزان حرفي.jpg
حجم الخط

 

ليس اليوم كالأمس، حقيقة استوعبتها «حركة المقاومة الإسلامية؛ حماس»، وعبرت عنها بشكل واضح في بنود ميثاقها الجديد، والذي تم إعلانه الأسبوع الماضي من «الدوحة» على لسان أحد أبرز وجوهها؛ رئيس مكتبها السياسي سابقا «خالد مشعل».

الإعلان عن هذا الميثاق؛ الذي أعلم أن أعضاء الحركة في الداخل والخارج يعملون عليه منذ فترة ليست بالقليلة؛ قد تأخر، ولولا تسريب إحدى القنوات المحسوبة على إيران له، ربما كان سيتأخر أكثر.

لكن توقيت الإعلان رغم أهميته، يظل باهتا أمام ما جاء بالميثاق الجديد من بنود تطرح العديد من النقاط، في مقدمتها علاقة الحركة بالإخوان/ ورؤية «حماس» للحل الشامل للقضية الفلسطينية/ وطبيعة الصراع مع اليهود.

والنقطة الأخيرة؛ طبقا لاعتقادي؛ هي الأهم على الإطلاق، فالميثاق أعاد تحديد «طبيعة» الصراع على أنه صراع سياسي ضد احتلال استيطاني إحلالي؛ احتلال استعمر الأرض وهجر الشعب وحل مكانهم؛ وليس صراعا مع اليهود ولا مع اليهودية كدين، كما تبنى ميثاق حماس السابق.

وكثيرا ما سمعت من الدكتور «عبدالوهاب المسيري»- رحمه الله؛ ملاحظاته بهذا الشأن، والتي تحدث بها مرارا مع قادة حماس والإخوان على حد سواء، وبح صوته ليغيروا خطابهم، خاصة أن اليهود المحتلين لفلسطين الآن لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بيهود المدينة ولا الجزيرة العربية الذين خاطبهم النص القرآني، وها هم أخيرا ينزلون على رأيه.

فلا شك أن هذا التطور أهم ما ورد في الوثيقة، فبهذا وضعت حماس الصراع في إطاره الحقيقي، وتجاوزت فكرة «عداء الأديان وتصارعها»، كما أعادت الصراع لأصله كصراع بشري وليس صراعا سماويا مقدسا.

وكم أتمنى أن يتحول ذلك التوجه إلى رؤية وسلوك عام للإخوان والإسلاميين كافة، فهم يتبنون العداء لكل ما هو؛ ومَن هو؛ غير مسلم، ويجعلون الصراع مطلقاً، والحرب مطلقة على أساس العقيدة، وليس على أساس البغي أو الاعتداء.

هذا التطور أتى مع عدم استبعاد العامل الديني من الصراع مع الصهاينة، لكن تم وضعه في سياقه، حيث فرض الدفاع عن فلسطين كجزء من الأرض الإسلامية، وأوجب على كل مسلم العمل على تحريرها من أي مغتصب كان؛ مسيحيا أو يهوديا، أو لا دين له.

وبهذا استطاع الميثاق القفز خطوات واسعة للأمام، حتى وإن كان مبعثه التبرؤ من تهمة «معادة السامية» التي تلاحق حماس وتقيد حركتها مع الغرب، وهنا يجب الإشادة باللغة السياسية التي تمت بها صياغة الميثاق، ليعبر عن تطور شهدته الأحداث، ويلاحق ما حققته حماس بالفعل على أرض الواقع.

أما على مستوى الحل الشامل وطرق إدارة الصراع؛ فإن الميثاق أزال التناقض بين النص والواقع الذي عانت منه حماس منذ مشاركتها في الانتخابات وتشكيلها الحكومة في ظل تسوية «اتفاقات أوسلو» وهو ما يرفضه ميثاقها السابق كليةً.

فجاء الميثاق الجديد ليضع «الإجماع الفلسطيني» كأحد المرتكزات، وما ينطوي عليه من قبول التسوية المطروحة ولو مرحلياً، مع الاحتفاظ بالحق في المقاومة لاسترداد كامل فلسطين من النهر إلى البحر.

لكن هذا البند سيكون القنبلة الموقوتة داخل الساحة الفلسطينية ومع المجتمع الدولي، إذا ما تمت عملية السلام، وتم الإعلان عن دولة فلسطينية على حدود 1967، ودولة يهودية على باقي الأرض، فأي مواجهة محتملة مع الصهاينة بعد ذلك، ستضع حماس كطرف «معتدٍ» على دولة «إسرائيل» طبقا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

أما النقطة الثالثة؛ التي حازت الاهتمام الإعلامي الأكبر؛ وهي علاقة «حماس» بالإخوان، فالميثاق جاء خالياً من أي إشارة لانتماء الحركة للتنظيم، وذلك على عكس ميثاقها السابق الذي أقر بأن «حماس» أحد فروع الجماعة في فلسطين.

لكن الميثاق لم ينف أيضا هذه العلاقة، بل أكد ما هو معلوم بالضرورة من أنها «حركة مقاومة فلسطينية إسلامية، مرجعيتها الإسلام في منطلقاتها وأهدافها ووسائلها»، وهو ما يتطابق مع أحد تعريفات حركة «الإخوان» لنفسها بأنها «جماعة مرجعيتها الإسلام في منطلقاتها وأهدافها ووسائلها»، وبذلك تكون «حماس» جزءاً مقاوماً من كلٍ عام.

أما استقلالية الحركة التي ذكرها الميثاق، فهي تعبر عن واقع تعيشه «حماس» وتتمتع به داخل «التنظيم العالمي للإخوان»، فالتنظيم يمنح كل قطر مساحة استقلال من منطلق «أهل مكة أدرى بشعابها»، وبالنظر لظروف حماس، فإنها الأولى بعدم إدخال التنظيم في تفاصيل عمل المقاومة القائم على السرية.

و«حماس» كانت ولا تزال تتمتع بالقدر الأكبر من الاستقلالية الداخلية، لكن ذلك لم يتعارض أبدا، ولم يمنع بقاءها كجزء من التنظيم العالمي (بغض النظر عن فاعليته من عدمها).

كما يبقى من أهم أدوار «التنظيم» توفير التمويل اللازم لحماس، وتقديم الدعم السياسي والمعنوي واللوجستي لها، وبه أيضا «هيئة استشارية» خاصة لعرض ما تريد الحركة أخذ الرأي فيه.

ومن هذا وذاك، يكون لا صحة لما تم التهليل له من تبرؤ «حماس» من «الإخوان»، أوحدوث الطلاق بينهما، لأنه وإن حدث، فإن الحركة لا تزال في شهور العِدة، ويحق للتنظيم ردها إليه في أي وقت قبل انقضاء المدة الشرعية.

عن المصري اليوم