وماذا بعد..؟ دروس كامب ديفيد2 وزيارة ترامب للمنطقة: السياسة العربية لمصر

مجمد علام.jpg
حجم الخط

لو قدم الرئيس عبد الفتاح السيسى كشف حساب عن السياسة العربية لمصر فى السنوات الثلاث الماضية فسيكون هناك الكثير مما يمكن الحديث عنه..

العناوين العريضة ستحمل الكثير من الحذر فى بث روح التفاؤل نتيجة المناخ العربى الراهن على وقع الأزمات القائمة وغياب الحلول.. بصيص الأمل يأتى من استعادة تلك الرابطة القوية بين مصر ودول الخليج والتوافق على تفاهمات لا يمكن الرجوع عنها بسهولة فى السنوات القادمة عن أهمية التنسيق المكثف بين الأطراف العربية التى تخشى من انهيار منظومة الأمن القومى العربي.

فى الأسبوعين الماضيين، قام الرئيس السيسى بزيارة السعودية ثم الإمارات والكويت واختتمها بدولة البحرين.. الجولة الأخيرة جاءت فى أجواء عربية أقل توتراً بعد القمة العربية فى البحر الميت التى ساهمت فى تلطيف مناخ العلاقات بين أكثر من طرف وتهيئة الساحة لمزيد من التعاون الإستراتيجى بين الدول العربية فى مرحلة لم يعد هناك خيار سوى تعزيز العمل المشترك، وقد عبر ملك البحرين فى كلمة الترحيب بالرئيس السيسى عن الموقف المصرى الحالى من قضية الأمن القومى العربى بقوله إن مصر «لم تأل جهداً إزاء دعم ومساندة دول الخليج والعالم العربي، وحرصت دوماً على الاضطلاع بدورها المهم كركيزة أساسية للأمن والاستقرار بفضل ما تتمتع به من شعب عظيم وتاريخ عريق ومؤسسات قوية».

تلك اللحظة فى العلاقات العربية - العربية تتسم بقدر عال من روح المسئولية بين الأطراف الفاعلة بعد أن واجهت المنطقة تقويضاً من داخلها على مدى سنوات ترك كوارث بشرية وحضارية يصعب علاجها فى المدى القصير.. من يلملم جراح العالم العربى هم العرب أنفسهم ومهما كانت وجهة التفاوض والتدخلات من قوى كبرى فى الغرب والشرق فلن نصل إلى حلول دون وقفة مع النفس ومع أوضاعنا الحالية. جولة الرئيس الخليجية استبقت زيارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب للمنطقة، حيث من المقرر أن يزور السعودية وإسرائيل وهى الزيارة الخارجية الأولى منذ وصوله للسلطة ، ومن ثم يصبح التنسيق العربى واجبا قبل جولة جديدة من المشاورات مع الجانب الأمريكي.

قيمة مصر الحقيقية فى علاقاتها العميقة بالأشقاء العرب تكمن فى أنها تتصرف بروح المسئولية تجاه الأشقاء، ولا ترسم وجها متعاطفا أو مساندا ثم تضرب الأخوة من ورائهم.. كما يعنيها فى المقام الأول أن تتحول الأفكار الخاصة بوحدة المواقف والقرار العربى إلى فعل وحقيقة وهو ما قامت به فى أوج تيار القومية العربية وفى سنوات التدهور وفى حقبة الاضطراب الكبرى التى ضربت المنطقة بعنف بعد ما يسمى بـ «ثورات الربيع العربي». وتدعم مصر كل جهود التوافق دون أن تبحث عن زعامة رغم أنها تمثل بالفعل العمود الفقرى للقرار العربي.. فعلى سبيل المثال، كانت مصر أول المهنئين والمرحبين بتحقيق الوساطة الإماراتية نتائج إيجابية فى الحوار بين أقطاب الأزمة الليبية بعد ترتيب اجتماع ثنائى فى أبوظبى يوم الإثنين الماضى ضم قائد الجيش الليبي، المشير خليفة حفتر، ورئيس المجلس الرئاسى لحكومة الوفاق الليبية، فايز السراج، وهو ما وصف بالخطوة الأولى والمهمة على طريق إحراز تقدم فى العملية السياسية.. وتتفق مصر والإمارات على ضرورة دعم جميع الجهود التى تستهدف الحل السياسى والبناء على الزخم الحالى للجهود بما يسهم فى إيجاد حل سريع وشامل ومستدام للأزمة الليبية يسهم فى تحقيق الحل السياسى الذى يتوافق جميع اللاعبين والأقاليم الليبية الرئيسية حوله.

الموقف المصرى جاء متسقا مع الأقوال التى يرددها الرئيس ووزارة الخارجية المصرية على مدى السنوات الثلاث الماضية، من حيث الحرص على تضميد الجراح ومنع مزيد من الاقتتال على الساحة الداخلية العربية. ولو تحدثنا على سبيل المثال عن وضع القضية الفلسطينية اليوم واستدعينا ما جرى فى السنوات الماضية سنجد أن الفرص المهدرة عديدة ولا يمكن تجاهلها مثلما حدث فى كامب ديفيد -2 من ضياع فرصة بسبب عدم توفير غطاء سياسى للزعيم الراحل ياسر عرفات نتيجة التوافق المصري-السعودى على رفض تأييد ماتم عرضه على عرفات خشية المزايدات السياسية.

والآن الوضع فى منتهى السوء، وربما لن تأتى التسوية عادلة أو منطقية أو متسقة مع قرارات الشرعية الدولية لو وصلنا إلى مرحلة التوافق بين الأطراف المعنية، وهو ما يحتم تنسيقا أكثر نضجا بين كل الأطراف العربية الساعية للسلام والاستقرار وليس من يدعون غير ما يفعلون مثلما هى الحال فى بعض العواصم!. والمهمة الأصعب هى تحقيق المصالحة الفلسطينية الشاملة بين الفصائل, بل وداخل الفصيل الواحد, وهى الخطوة التى سبق أن قال عنها الرئيس قبل شهور طويلة إنها المصالحات التى يجب أن تستبق أى تحرك نحو التسوية.. ولكن للأسف لم يحدث تقدم حتى الآن.. فتوفير حماية وغطاء سياسى للشعب الفلسطينى لا نقاش حول أهميتها ولكن بدون وحدة الموقف الفلسطينى لا شيء يتحقق طالما ظلت إسرائيل تسأل نفسها: أتفاوض مع من؟!!

علينا الاتفاق على حدود التسوية (الحد الأقصى ــ الحد الأدني) فى القضايا الشائكة مثل القدس المحتلة والمستوطنات حيث بناء موقف عربى واحد سيعنى بلا شك، مصالحة واسعة مع الرأى العام فى كل الأقطار العربية.

>>> 

لا يجب أن يخشى صانع القرار العربى من السادة «الحنجورية»، فهم يعملون بكفاءة فى كل الأوقات والعصور.. فلا تلقوا بالا..

الرأى العام يعيش واقعا سيئا جدا.. والكل مشغول بأوضاعه الداخلية..

فكم من الفرص ضاعت!! بسبب المزايدات والخوف»..

أن نبدأ ثم نبنى على ما نحصل عليه.. خير من لا شيء على الإطلاق..

لأن هذه الفرصة لو ضاعت.. فلن يبقى شيء..

التشرذم ومن يتاجرون هم من جعلوا الأمن القومى العربى فى حالة انكشاف.. فالمنطقة فى أضعف حالاتها ومصر واجهت محاولات أطراف بالمنطقة هدم الدولة ومؤسساتها.. والفوضى التى صنعوها ....

والدولة العربية أكلت نفسها ودمرت بعضها لحساب الصهيونية العالمية..

وأصدقاء إسرائيل فى المنطقة أو المتورطون فى هدم مصر.. أين هم من صرخوا من أعماق حناجرهم: على القدس رايحين بالملايين..فلا يحمل أحد مصر فوق طاقة شعبها الذى يعانى من تخريب أربعة عقود وست سنوات من الفوضي, فقد أثر هذا الانكشاف للأمن القومى العربى والمصرى الذى ساهم فيه هؤلاء المزايدون ـ تأثيرا بالغا فى مسار القضية الفلسطينية!

.. وألم يؤثر تدمير الجيش العراقى ومحاولة تدمير الجيشين السورى والمصرى (المؤامرة على الجيوش) على مسار القضية؟!

>>> 

من أصدق ما كتب فى زيارة الرئيس السيسى للخليج ما قاله رئيس تحرير صحيفة «الخليج» أحمد إسماعيل بهبهانى تحت عنوان «الرئيس السيسى ومصر.. تاريخ يصنع المستقبل».. قال الصحفى المعروف « إن الكويت ومعها أشقاؤها فى كل دول مجلس التعاون، ينظرون إلى مصر باعتبارها ركيزة ودعامة الأمن والاستقرار فى المنطقة، ويسعدهم دون شك أن يروا هذا القدر الكبير من الاستقرار السياسى والأمنى والمجتمعى الذى تعيشه مصر الآن، والذى تحقق من خلال رؤية إستراتيجية شاملة للقيادة المصرية، استطاعت بواسطتها أن تطلق مسارات التنمية الاقتصادية بالتوازى مع مكافحة الإرهاب، وهو ما شهدنا مبشراته واضحة خلال الفترة الأخيرة، خصوصا فى شبه جزيرة سيناء، حيث التفت القبائل هناك حول قيادتها، وقررت مشاركة جيشها فى التصدى للإرهابيين ومحاربتهم، وهو ما نعتقد أنه سيضع نهاية قريبة وحاسمة لكل أشكال الإرهاب فى سيناء».. ثم أردف قائلا: «يبقى أن نؤكد أن الرئيس السيسى الذى حل بين أهله وإخوانه فى الكويت، هو موضع ترحيب وحفاوة دائمين من سمو الأمير والشعب الكويتي، لأننا نرى فيه قائدا مصريا وعربيا استوعب الرؤية المصرية الصحيحة لأشقائها فى الخليج، والتى رسختها مصر عبر مواقف تاريخية مشهودة، وجاء الرئيس السيسى ليواصل هذا الخط القومى الأصيل لمصر العروبة، مصر الحضارة والأصالة، ومصر المستقبل أيضا».

هذه هى مكانة مصر .. وتلك مسئولياتها فى المستقبل.

*رئيس تحرير  الاهرام