مرت خمسون سنة على الانتصار الكبير في حرب "الايام الستة"، التي غيرت المجتمع الاسرائيلي، وأغرقت النقاش الجماهيري بطاقة روحانية، ثقافية وسياسية كبيرة. عاموس عوز هو المتحدث باسم مدرسة تقسيم البلاد منذ اليوم السابع لتلك الحرب. والآن يقوم باصدار كتاب بعنوان "سلام للاصوليين" وفيه ثلاث افكار حول المسائل الاساسية في الجدل المشتعل داخلنا.
ادرك تحفظ اليمين وشعوره بالاهانة من اقوال عوز وما كتبه على مدى سنوات. من خلال التحدث معه يتبين أن عوز ايضا يشعر باهانة كبيرة بسبب اقوال اليمين عنه، والمقصود ليس الشتائم أو الانفعال الآني.
في مشهد النقاش الاعلامي المتدني واجواء السيرك في الشبكات الاجتماعية من الجيد أن هناك اماكن اخرى للنقاش حول هويتنا ومستقبلنا. الكتاب الذي اصدره عوز وضعت عليه ملاحظات كثيرة. أقترح على اصدقائي في اليمين قراءته والجدل حوله. فضولية عوز تجاه خصومه هي تحية مشجعة من الماضي. كتبتُ كثيرا في السابق عن ضياع الفضول لدى اليسار الحالي تجاه خصومه. وفي المقابل هذه الفضولية ما زالت تعيش وتتنفس في اليمين الاسرائيلي الذي يقرأ باهتمام خصومه ويسعى الى الجدال. اذا قام عاموس عوز باستدعائنا، ألا نذهب؟.
"اكتب لقرائك"، طلب مني: "عاموس عوز يريد أن يستمع اولئك الذين لا يوافقونه الرأي، ليس لأنه يعتقد أنهم اصوليون، بل لأنه يعتقد أن هناك شيئا من الاصولية لدى كل انسان. أطلب عدم اطلاق الاوصاف علي لأنني أتبنى مواقف اخرى. من اجل ذلك طرقت باب "اسرائيل اليوم". لا أريد قول الكلمة الأخيرة. أنا أنزل من جبل سيناء من أجل فتح العيون. ولم آت كي اقول إنني يهودي أو اسرائيلي أو أنني شخص أفضل منكم.
"لقد جئت لأقول: اسمعوا، يا اصدقائي، لديّ اقتراح. وافقوا عليه أو لا، أو وافقوا على جزء منه أو لا توافقوا على شيء. لكن قولوا إن عاموس عوز يفتح فمه ليس لأنه يكره الدولة أو اليهودية، أو أنه نسي أنه يهودي، بل لأن لديه اقتراحاً. في مرات كثيرة خرجت عن اطواري وفي مرات كثيرة قمت بتوجيه الاوصاف. هذا لأنني لست إلها، بل لأن لدي غرائز واهانات. في مرات كثيرة، كما قال شيلوك، عندما طعنوني صرخت، وعندما شتموني شتمت. أنا لست فوق هذا. في الكتاب الاخير احاول فعل ذلك. لا اقترح قراءة ذلك كاعلان لليسار ضد اليمين. أريد التحدث. ليس الحديث الزلق حول المصالحة. هذا كتاب الجدال الشديد. لكنه محاولة للتحدث بهدوء نسبي في فترة لا يسمع فيها الحديث الهادئ. أريد التحدث معك ومع قراء (اسرائيل اليوم) بهدوء".
درور ايدار: حسب تجربتي أنا وأبناء جيلي لم يكن لنا صوت. كبرت مع وجود ملصق على فمي عشرات السنين. وصلت الى وسائل الاعلام مع رغبة في تجديد الجدل. لا أخاف من الدم والنار في الكتابة. الكلمات هي كلمات. الجدالات الصعبة هي تقليد لدينا كشعب. وأنا اعتبر أن هذه شهادة على الحيوية. تعالوا نتحدث، اذاً. هذا الكتاب يلائم القصة الاخيرة التي نشرتها "البشرى حسب يهودا"، الذي يهتم هو ايضا بالخيانة والأصولية.
عاموس عوز: "انظر، إن يهودا شخص من كريوت، وهو بطل كتابي، لم يكن خائنا، آمن بالمسيح أكثر من ايمان المسيح بنفسه. كانت لدى المسيح شكوك حول الذهاب الى القدس. يهودا ليس فقط آمن بالمسيح أكثر من ايمان المسيح نفسه، بل كان متطرفا أراد المسيح الآن. يوم الجمعة الصلب في بث مباشر في التلفاز، العالم كله سيشاهد كيف أن المسيح سينزل عن الصليب، ويقول أحبوا بعضكم، وتبدأ مملكة السماء.
"القصة حول يهودا من كريوت في العهد الجديد هي قصة محتقرة. لم تتم رواية قصة في كل التاريخ أدت الى سفك الدماء الكثيرة مثل هذه القصة، حول القُبلة والثلاثين شيكلاً. كل منتج طبيعي كان سيخرج هذه القصة من الكتاب. هذا سبب لي الغليان دائما. حسب المصادر المسيحية، يهودا لم يكن صيادا فقيرا من الجليل، بل شخص نبيل. هو لن يبيع اسياده أو حاخامه أو إلهه مقابل 30 شيكلا. واذا كان الامر كذلك فلماذا قام بشنق نفسه؟ هذا لم يستقم لدي.
"يهودا لن يبيع المسيح مقابل المال، لكنه اراد انبعاث المسيح الآن. نحن نعرف هذه الظاهرة عن قرب. كان متطرفا وبدون طول نفس، إما الآن وإما لا الى الأبد. اهتمامي بهذه الشخصية جزء من اهتمامي بالمتطرفين وليس الخونة".
* هذا الكتاب نجح في العالم. أنت تلمس قلب هوية العالم الغربي؟
- "بيعت نصف مليون نسخة. في العالم المسيحي كانت ردود كثيرة. البعض رد بغضب. والبعض قال إن هذا استفزاز مبارك للتفكير الكاثوليكي. وأنا أعرف من مصدر مؤكد أن البابا قرأ الكتاب. لم يرد، لكنه قام بقراءته.
"اليك قصة قديمة. بالصدفة كنت في السويد في زمن حرب لبنان الاولى. كان من الصعب أن تكون اسرائيلياً في السويد في تلك الايام. كان لدي في حينه كتاب بعنوان "هنا وهناك في ارض اسرائيل"، وتمت ترجمته الى اللغة السويدية. ظهرت في التلفاز في التاسعة مساء، جميع الشبكات تتوحد. وسألتني المذيعة ألا تخجل من كونك يهوديا في هذا الوقت؟ فقلت لماذا؟ فقالت إن شعبك متورط بالقتل، وهذا يناقض دينكم؟ فقلت لها لدي أنباء من اجلك – قلت ذلك في التلفاز – اسرائيل ليست بلاداً مسيحية، رغم أنه من الصعب عليكم الموافقة على ذلك، ونحن لا نقدم الخد الثاني. قلت ذلك وذهبت للنوم.
"في اليوم التالي في السابعة صباحا، في الفندق، اتصل معي موظف الاستقبال، وقال إن هناك شخصا يريد رؤيتي، لم أعرف من، ونزلت. كانت لدي غريزة. وقف هناك يهودي عمره 80 سنة من الناجين من الكارثة "سمعنا ما قلت في التلفاز وفتحنا مكاتب اللجنة اليهودية في ستوكهولم وسجلنا اشجاراً على اسمك في الكتاب الذهبي". سألته لماذا؟ فقال لأنك قلت لهم إننا لسنا مسيحيين. وقال، يا بني، يبدو أنك لا تعرف ما الذي فعلته؟ بالفعل لم أعرف، لأنه عندما شاهدت الصحف السويدية وجدت فيها "كاتب اسرائيلي: اسرائيل ليست بلادا مسيحية"، تخيل لو أنه نشر لدينا خبر في الصفحة الثانية يقول "كاتب سويدي في القدس يقول إن السويد ليست بلادا يهودية"، كان ذلك سيكون بداية المعجزات.
"في الساعة العاشرة صباحا وصلت مكالمة للفندق، حيث كان رئيس الحكومة، أولوف بالما، وأراد التحدث معي. لم أكن أعرفه، لكنني ذهبت وكان المكان قريبا. مكتب متواضع. وقال إنه شاهد التلفاز وكان مصدوما. كيف استطعت القول إن القتل لا يتناقض مع اليهودية وماذا عن الوصايا العشر؟ فقلت ليس هناك أمر كهذا في التوراة. فقال ماذا؟ فقلت لا يوجد. حينها ضغط على زر الانتركوم وخلال دقيقة دخلت السكرتيرة وبيدها كتاب، كان يبدو كتاب التوراة. فقلت له أنا أعرف أن هذا يوجد في التوراة الخاصة بكم، هذا لدى مارتن لوثر بالألمانية ولدى الملك جيمس بالانجليزية، لكنه لا يوجد في المصدر. وما هو المكتوب لديكم؟ فقلت: "لا تقتل". يقتلون عندنا، وهذا ليس مسموحاً به فقط، بل هو مطلوب اذا قام أحد لقتلك. كان بالما مصدوما وقال لي جملة لن انساها وهي "هل أنت متأكد، يا سيد عوز، من أن نسختكم هي النسخة الصحيحة للتوراة؟".
حدود اليسار الإسرائيلي
* لماذا أطلقت على كتابك اسم "سلام للاصوليين". هل كل من لا يوافقك الرأي هو اصولي؟
- "الجواب يوجد في الفصل الاول من الكتاب. مكتوب هناك أن جين الأصولية يوجد تقريبا لدى كل انسان، بمن في ذلك مؤلف الكتاب. سلام للاصوليين يعني هل هناك طريقة لاحلال السلام مع النفس الاصولية؟ لن أضع أبداً جميع الأصوليين في سلة واحدة، لكن جين التطرف يوجد ايضا لدى مشجعي كرة القدم أو مشجعي مغنية. في كل مكان. في العائلة. المقال الذي يفتتح الكتاب هو حول السؤال المركزي حول مكانة الاصولية في الثقافة وفي النفس الانسانية.
"لا أعرف أي وزير في حكومة اسرائيل الحالية، ولا أعرف أي عضو كنيست في الائتلاف، وتقريبا لا أعرف أي أحد من المعارضة في الكنيست الآن. ولكن مثل كل اسرائيلي، احيانا اتحدث معهم. وقد تمكنت في عدة مرات أن اسأل بيني وبين نفسي وزيرة الثقافة: هل هذا اصلاح للاجحاف أم انتقام؟ هل تدركين كم الحدود دقيقة بين اصلاح الاجحاف والانتقام؟ أنا لا أجيب بل اسأل.
"سألت ايضا رئيس الحكومة نتنياهو اكثر من مرة في الايام الفظيعة على شفا الحرب الاهلية في فرنسا في الجدل حول البقاء في الجزائر، كان ديغول زعيم اليمين الصقوري. سارتر "اليساري والخائن" حصل على تهديد بالقتل. وعندما سمع ديغول عن ذلك في الاليزيه جمع المراسلين وقال إن سارتر ايضا هو فرنسا. فهل سيقلل هذا من احترام رئيس الحكومة لو كان قال امورا كهذه؟ أنا لا اطلب منه قول ذلك تجاه كل من يشتم زوجته، ولا اطلب تقديم الخد الثاني. ولكن لديه المفاتيح لوضع خط بين الجدل الصعب جدا وبين صيد الخونة".
حدود 1967
* تعود وتقول في الكتاب وفي اماكن اخرى إننا اعتدينا على أرضهم؟
- "نعم. قرار الامم المتحدة تقسيم ارض اسرائيل الى دولتين كان قرارا عادلا. حدود التقسيم كانت إجحافا لأننا حصلنا على الصحراء فقط. ولكن فكرة تقسيم البلاد كانت في حينه قرارا عادلا لأنه كما تبين سريعا لم يكن لديهم أي مكان ليذهبوا اليه. الدول العربية لم ترغب فيهم، ونحن ايضا لا يوجد لنا مكان نذهب اليه. وهم لا يستطيعون العيش تحت حكمنا، ونحن لا نستطيع العيش تحت حكمهم. هذه البلاد هي وطن لشعبين. حدود 1967 ليست مقدسة في نظري، لكنها قسمت البلاد عمليا بين شعبين. أعتقد أن هذا صحيح".
* لماذا ليس حدود 1921؟ لماذا ليس الاردن؟ توجد هناك اغلبية فلسطينية. لا حاجة الى تحريكهم، يمكن عمل كونفيدرالية؟
- "لكنهم يريدون أن يكونوا شعبا حرا في بلادهم".
* الآن نتحدث عما يريدون. أنت تحدد لهم ما الذي يريدونه. من قال إنهم يريدون؟
- "هل تعرف، أريد تصحيح نفسي، وسأصحح في الكتاب: "الفلسطينيون يديرون ضدنا حربين مختلفتين. من جهة... يحاربون من اجل انهاء الاحتلال. ومن جهة اخرى الكثير من الفلسطينيين يحاربون ضد الاسلام المتطرف... للقضاء على دولة اسرائيل كدولة للشعب اليهودي. لأنه حسب الاسلام المتطرف اليهود لا يستحقون أن يكونوا شعبا... مصدر الاحراج، البلبلة والسطحية لدينا وفي كل العالم هو أن الكثير من الفلسطينيين يديرون الحربين في الوقت ذاته... والشيء ذاته يمكن قوله عن دولة اسرائيل... إنها تحارب حرباً عادلة من اجل حق الشعب اليهودي كي يكون شعبا حرا في بلاده. والثانية هي حرب ضد القمع والاعتداء من اجل اضافة 3 – 4 غرف في شقتنا على حساب الجار الفلسطيني".
* ما الذي فعلته؟ أزلت المسؤولية عن اشخاص وأسقطتها على الاسلام المتطرف. هذا لا يناسب الحقائق. في الميثاق الوطني الفلسطيني الذي لم يلغ كتب "اليهودية كدين سماوي ليست قومية لها وجود مستقل، وايضا اليهود ليسوا شعبا واحدا له كيان مستقل، بل هم مواطنون في الدول التي يعيشون فيها". هذا ليس موقف الاسلام المتطرف، بل الميثاق الفلسطيني العلماني. أنت تقول إن الفلسطينيين يريدون دولة. هذا ممكن، لكن على انقاضنا. هم يعملون من أجل هدف واحد: أن لا تكون لليهود دولة. نواة الاتحاد لديهم سلبية، وهي نفي الآخر وليست نواة قومية ايجابية.
- "لقد كتبت أنهم يخوضون ضدنا في الوقت ذاته حربين، واحيانا يكون الشخص نفسه في هاتين الحربين".
عن "إسرائيل اليوم"