إذا ما صدّقنا التقارير الصحافية الأميركية الإسرائيلية، فإنّ أحد أهم اللاعبين في المسألة الفلسطينية – الإسرائيلية الحالية، الذي خلط الأوراق، والذي يسير في اتجاه معاكس للحكومة الإسرائيلية، والذي ينسّق مع الرئيس الفلسطيني مباشرة، والذي يمكن أن يكون له تأثير على الإدارة الأميركية الحالية، والصهاينة داخلها، أكثر من أي تأثير من الإسرائيليين، هو رونالد لودر، رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، السفير الأميركي السابق، والملياردير.
هناك تغير جلّي في الولايات المتحدة الأميركية، أثبتته أكثر من دراسة، بشأن تغير موقف اليهود الأميركيين، من إسرائيل. وهذا الموقف ليس تخلياً عنها، بقدر ما هو استقطاب بين اليهود الأميركيين، بشأنها، فهناك فئات شابة يهودية أميركية، ترفض أن تعلن تأييدا أعمى لكل ما تفعله الحكومة الإسرائيلية. في المقابل هناك زيادة في الاتجاهات اليمينية المتدينة اليهودية التي تؤيد إسرائيل بشكل أعمى. بمعنى أنه بدل اليهود العلمانيين الليبراليين، هناك استقطاب نحو اليسار واليمين، بين اليهود الأميركيين. وأحد تجليات هذا التباين، نشوء الجماعة الجديدة، المؤيدة لإسرائيل، ج ستريت، والتي تعتقد أن قيام دولتين، فلسطينية وإسرائيلية، مهم للحفاظ على يهودية وديمقراطية إسرائيل. ويبدو أنّ لودر يتفق ضمناً مع هذه المدرسة.
التغير الثاني، وهو الذي يغضب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هو أنّ لودر يكسر شبه قاعدة، بأنّ وظيفة يهود العالم الدعم المالي والسياسي والإعلامي دون تدخل في السياسات الإسرائيلية.
بحسب التقارير، استضاف لودر الرئيس محمود عباس في زيارته الأخيرة على العشاء في منزله، وقدّم له نصائح حول كيفية التعامل مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
من غير المستبعد أنّ اليهود في محيط ترامب، من أمثال صهره ومستشاره جيراد كوشنير، والسفير إلى إسرائيل ديفيد فريدمان، ومبعوثه للتفاوض جاسون غرينبلات، قد تأثروا بطروحاته بشكل ما، عن قناعة أو دون قناعة، باعتباره قيادة يهودية أميركية وعالمية، ورجل أعمال مهما جداً.
في الوقت ذاته يلاحظ أنّ الفلسطينيين، والرئيس عبّاس، توقفوا عن الحديث عن وقف الاستيطان وإطلاق الأسرى شرطاً للتفاوض، كما خفت الحديث أو تلاشى بشأن آليات مثل مؤتمر باريس للسلام، أو الذهاب للأمم المتحدة. وبحسب "جيروزالم بوست" فإنّ هذا التراجع من نتائج الجو الجديد الذي أوجده لودر. بل ذهبت الصحيفة للقول إنّ "عباس سيوقع اتفاق سلام مع إسرائيل". وبحسب الصحيفة فإن تحركات لودر لا تقتصر على الطرف الفلسطيني، والأميركي، بل إنّه زار مصر قبل نحو شهر وقابل الرئيس المصري.
في الواقع أن مزاعم أو إعلان نتنياهو أنه غاضب من تدخلات لودر، قد تكون صحيحة، لأنّه لا يحب سماع سوى صوته، والأزمة التي أوجدها عندما رفض لقاء وزير الخارجية الألمانية مؤخرا، لرفضه مقابلته، بسبب قيام الوزير بلقاء جمعيتين إسرائيليتين يساريتين، تنتقدان سياسات الاحتلال في الضفة الغربية نموذجا على رفضه أي معارضة أو نقد، ولكن في الوقت ذاته، فإنّ أي معنى لتحرك لودر، أو لإطلاق عملية تفاوض جديدة تعتمد على شروط إطلاقها، وقد لا تتناقض من حيث الجوهر مع ما يريده نتنياهو.
سيكون هناك معنى حقيقي للمفاوضات إذا تبنى ترامب وإدارته، موقفا واضحا إزاء أمور مثل الاستيطان، وإطلاق دفعات الأسرى المتفق عليها، ووضع سقف زمني ومرجعيات للتفاوض. أما إطلاق مفاوضات بدون هذا، فسيكون عودة للمربع رقم (صفر) وللعبثية، وهو ما قد يجده نتنياهو خياراً مقبولاً.
راهن الفلسطينيون في الماضي كثيراً على اليسار الإسرائيلي وما سمي معسكر السلام، الذي تراجع حد الاختفاء في الوقت الراهن، وتراهن القيادة الفلسطينية، على مخاطبة المجتمع الإسرائيلي، ولكن مع الوقت يزداد اتجاه هذا المجتمع لليمين والتطرف. ولا يجب أن يكون هناك أي اعتماد أو تفاؤل بأمثال لودر، أو أي تصريحات أميركية. فالأصل، ووفق قواعد التفاوض العلمية، استعجال التطبيق والثمن لأي شيء قبل تقديمه.
من هنا حتى لو كانت هناك تيارات يهودية ترفض السياسات اليمينية الإسرائيلية، حرصاً منها على المصالح الإسرائيلية، واليهودية، كما تراها هي، ومن زاويتها، التي قد تلتقي مع حل الدولتين، فإنّه دون أن تقوم هذه الجهات بالمساعدة في كبح جماح هذه السياسات قبل أي عملية سياسية، فسيكون الذهاب للتفاوض رهانا خاسرا سلفاً.
عن الغد الأردنية