نظم المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، اليوم الثلاثاء، يوم دراسي حول "الاقتصاد الفلسطيني في الداخل"، بمدينة رام الله، دعا من خلاله إلى استحداث آليات حاضنة تُمأسس التعاون الاقتصادي بين الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر، وتعززه، بما يحقق الاستفادة القصوى من الميز النسبية على الجانبين، ويطور الاقتصاد، بما يلبي متطلبات الصمود والبقاء والتغلب على سياسات الحصار والاقصاء والعرقلة التي تفرضها إسرائيل بطرق مختلفة.
وشارك في اليوم الدراسي المنعقد تحت عنوان "الاقتصاد الفلسطيني في الداخل: الواقع، التحديات والآفاق"، بدعم من صندوق الاستثمار الفلسطيني، نخبة من السياسيين و الباحثين الاقتصاديين والمستثمرين والمبادرين.
وقالت المديرة العامة لمركز "مدار"، د. هنيدة غانم، إن انعقاد هذا اليوم يأتي بهدف إلقاء الضوء على الواقع الاقتصادي للفلسطينيين داخل أراضي الـ48، ونقاش فرص التعاون والتشبيك بينهم وبين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة العام 1967، بما يسهم في تطوير اقتصاد فلسطيني متداخل ومتشابك، كجزء من فهم استراتيجي مفاده أن كل مكوّن من مكونات الشعب الفلسطيني هو بالضرورة عمق استراتيجي للمكونات الأخرى.
وقال رئيس لجنة المتابعة للجماهير العربية في الداخل محمد بركة في جلسة تحت عنوان "فرص التعاون على جانبي الخط الأخضر"، أدارها المهندس وليد الأحمد، أن مسمى اقتصاد فلسطيني في الداخل لا يعبر عن الواقع الموجود، وأن الواقع لا يمتلك مقومات اقتصاد جماعي بالمعنى الحقيقي، فهو اقتصاد مبعثر وتابع ومحاصر، خاصة في ضوء ان التنمية في إسرائيل موضوع سياسي وايديولوجي، والسياسات مصممة لصالح الأغلبية اليهودية، والتنمية ليست حرة ومفتوحة للجميع وتعبر عن تطور كافة الفئات بشكل طبيعي.
واستكمل بركة تشخيصه للحالة الاقتصادية في الداخل، بأن أزمتها ثلاثية الابعاد: في العلاقة الداخلية حيث الذات الجمعية مبعثرة، وفي العلاقة مع الكيان السياسي السيادي (الدولة الإسرائيلية)، وأيضا مع الخارج بمكوناته الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية.
وتابع أن هذا لا يعني اليأس، بل يدفع نحو تقديم الإجابات على الواقع وعلى النكبة في الذكرى 69 لوقوعها، مشيرا إلى مؤتمر قريب ستنظمه لجنة المتابعة هدفه الرئيس تنظيم الثروة البشرية الغنية جدا، معتبرا ان ترتيب أوراق المشهد في الداخل ضروري لتطوير صيغ التعاون والتشبيك مع الكتل الواقعة خارجه.
بدوره، قال رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطيني محمد مصطفى، إن الأدق الحديث عن اقتصاد لفلسطينيي الداخل، أو عن كتلة اقتصادية، تمتلك مقومات كثيرة للتطور والتعاون، رغم ما يعتريها من أزمات، معتبرا أن على السياسة عدم اغفال التخطيط الاقتصادي، وأن الاقتصاد ليس تحصيل حاصل.
وأضاف أن الفلسطينيين في أراضي دولة فلسطين منفتحون جدا على التعاون، ولديهم ما يقدّمونه، رغم ما يواجهونه من مصاعب تتجاور فيها تلبية احتياجات المواطنين مع تحديات بناء بنية تحتية اقتصادية لدولة.
واستعرض مصطفى عناوين أساسية للتعاون والتشبيك الممكن تعزيزه، معتبرا القطاع المالي مثال صارخ، حيث لا يوجد في الداخل الفلسطيني أي بنك عربي وهناك غياب لشركات التأمين، معتبرا نقل تجربة الفلسطينيين في مناطق الدولة الفلسطينية إلى الداخل أمر ممكن.
وأشار إلى فرص كامنة في مجالات السياحة والتجارة والنقل والتكنولوجيا عموما وتكنولوجيا الزراعة والمياه.
وشهد افتتاح اليوم الدراسي عرض فيلم وثائقي قصير يتضمن مقابلات ومعلومات ومشاهد من مصانع يملكها فلسطينيون في الداخل، أعده خصيصا لهذه المناسبة الصحافي قاسم خطيب.
وعقدت الجلسة الأولى تحت عنوان "الاقتصاد الفلسطيني في الداخل: الواقع، المميزات والتحديات"، أدارتها د. علا عوض، وتضمنت ورقة "الاقتصاد الفلسطيني في الداخل: صورة بانورامية" للدكتور سامي ميعاري، وورقة "السياسات والخطط الاقتصادية للدولة تجاه الفلسطينيين في الداخل" للدكتور امطانس شحادة.
وخلص ميعاري إلى أن الصورة الشمولية للاقتصاد الفلسطيني في الداخل تشير مقارنة مع الجانب اليهودي، إلى تفاوت كبير، وأن سدّ الفجوات هدف بعيد عن التطبيق في المدى المنظور.
وأوضح أن العرب ما زالوا يشاركون بنسب أقل في سوق العمل، خاصة النساء العربيات، والأجور بين العرب أقل، والتحصيل العلمي ومخصصات الهيئات المحلية، بما ينفي ليبرالية الاقتصاد الإسرائيلي، ويؤكد عدم حياد السياسات الحكومية.
واعتبر شحادة في ورقته أن الواقع الاقتصادي الحالي يعكس سياسة الدولة تجاه الأقلية، ويعبر عن حالة إعاقة تنمية حقيقية ومقصودة، مقابل السماح بتنمية تضبط النمو الفلسطيني، وتوجهه ليكون مكملا لاحتياجات الاقتصاد الإسرائيلي، ومتلافيا للملاحظات من أطراف دولية.
واستعرض التعامل الرسمي غير الجاد مع خطط التنمية، معتبرا أن الحديث يدور عن تطوير وليس عن سدّ فجوات، الى جانب غلبة الاعتبارات القومية الأيديولوجية على طريقة تنفيذ ما نفذ من خطط تطوير.
وعقدت الجلسة الثانية في اليوم الدراسي تحت عنوان "نشاطات اقتصادية فلسطينية - الواقع والتحديات" أدارها د. سمير عبدالله، وتضمنت مساهمة د. حسام جريس تحت عنوان "المرافق الاقتصادية النقدية وقطاع الخدمات المالية: الواقع والمستقبل".
استعرض فيها ما اسماه التمييز البشع بحق الفلسطينيين، ابتداء بإهمال المصالح التجارية الصغيرة والوسطى، مرورا بالعقبات القانونية، وليس انتهاء بغياب السوق المنظم لقروض الإسكان، إلى جانب الفوائد المرتفعة وعدم توفر المرافق.
وشهدت الجلسة شهادة شخصية مؤثرة لرجل الأعمال عيسى خوري تحت عنوان "التحديات أمام رأس المال في الداخل"، بدأتها بتوجيه تحية للأسرى المضربين عن الطعام، وقدّم فيها عرضا لمجموعة شركاته، وما أنجزته من مشاريع كبرى عابرة للدول، عائدا إلى مصاعب البدايات وما شهدته من اقصاء وآلام وملاحقة.
وشرح خوري، اللاجئ من قرية البروة المدمرة، مصاعب المستثمر الفلسطيني في التنافس داخل السوق الإسرائيلي بسبب طابعه التمييزي العميق والمرتبط بذرائع الأمن وغيره، معتبرا أن الفلسطينيين في الداخل اليوم مختلفون بما امتلكوا من تعليم وثقافة اعتزاز بالذات.
وخلص خوري إلى ايمانه بضرورة وجود جسم اقتصادي مشترك يكون بمثابة حاضنة يقدم مبادرات لتعزيز التشبيك بين الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر.
وعقدت الجلسة الثالثة تحت عنوان "الفلسطينيون في الداخل في مجال الهايتك" أدارها عارف الحسيني، وتضمنت ورقة "العرب في صناعة الهايتك.. واقع وآفاق" لعماد جرايسي، و"الحاضنات التكنولوجية في الداخل ودورها في انجاح مشاريع ريادية" لنصري سعيد، رصدت واقع صناعة الهايتك في إسرائيل وموقع الفلسطينيين فيها وما يعانونه من تمييز، إلى جانب القدرة الكامنة في هذا القطاع لجسر الهوة بين الاقتصادين العربي واليهودي في إسرائيل.
وشهدت الجلسة شهادة شخصية مؤثرة للمبادر في الهايتك زياد حنا، من قرية اقرث المهجرة، تحت عنوان "تحديات أمام المبادرين العرب"، تضمنت قصة صعوده في مجال الهايتك، وما واجهه من عقبات، أنهاها بعبارة "سنعود يوما".