كتب: نبيل عمرو , إعدام الطيار الشاب معاذ الكساسبة، وذبح الصحافيين اليابانيين، وجريمة القتل الجماعي في سيناء، والمتفجرات بدائية الصنع التي زرعت في أماكن متعددة من مصر، هي مؤشر على ضراوة المعركة مع الإرهاب بصورة عامة. إلا أن ما أظهرته هذه الموجة من مؤشرات أخرى، تدعونا إلى الاعتراف أولا بقلة نجاعة المواجهة وحتمية تغيير المنهج والقواعد.
إن حربًا بهذه القسوة والضراوة، تحتاج أولا إلى إعادة تقويم السياسات والترتيبات التي وضعت من أجلها، ذلك أن الجهد الأمني والعسكري الذي بذل في أماكن متعددة ورغم اختلاف القوى والساحات، ورغم غزارة ما أنفق عليه، ظل يراوح بين تقدم محدود وتراجعات فادحة، وفي سوريا والعراق مثلا ولّد مضاعفات جانبية خلخلت كثيرا مقومات الجبهة المناوئة للإرهاب، ما أفقد الدولتين العربيتين جزءًا مهما من جغرافيتهما، على نحو جعل باستطاعة الإرهاب أن يدّعي حصوله على دولة تستقطب كل ساخطي الكون تحت شعارات جاذبة، ولقد أهملت حقيقة أن المواجهة الناجحة تبدأ من البيت والمجتمع أولا، أي بتحصين الذات وتطوير القدرة على تحقيق الإنجازات في أماكنها الصحيحة والفعالة.
لقد دُفع غاليا ثمن استغلال الحرب على الإرهاب من أجل أجندات نفوذ داخلي، وحكاية المالكي أوضح وأفدح مؤشر على ذلك، أما فيما يتصل بمصر والأردن، فإن الساحتين الهامتين بالنسبة للأمن القومي العربي بإجماله، تواجهان خطر استكمال المشروع التخريبي المراد له أن يزحف تدريجيا، ليحيل المنطقة بأسرها إلى ساحة أزمات متوالدة وإلى حالة من الفوضى والانهيارات تستمر عقودًا وتستنزف كل ما فوق الأرض وما تحتها من إمكانات.
والجانب الإيجابي حتى الآن، أن مصر أولا قامت بتصفية حساباتها مبكرا، فأنقذت النظام وبقي عليها أن تواصل معركتها بكل عزم وتصميم دون أن ينال من عزيمتها على المواصلة عمليات كبرت أو صغرت، ذلك أن حربا من هذا النوع تحتمل عمليات متفرقة، وخصوصا أن النظام الحالي في مصر تسلّم بلدًا منهكا حطمه جمود طويل الأمد، وكاد يجهز عليه نظام الإخوان الذي ارتجل في فجوة من الزمن، وفي اعتقادي أن مصر ذهبت مؤخرا في معالجتها للإرهاب النابع من الداخل والخارج، بمزاوجة أكثر وضوحا بين المواجهة الأمنية والتنمية، ليس فقط من خلال الموازنة التي اعتمدت بشأن سيناء، وإنما من خلال الجهد الصعب المبذول للتنمية على مستوى الوطن كله.
إننا نملك مقومات منطقية للتفاؤل بنجاح الخطط المصرية الأمنية والتنموية، وهي خطط تظل دائما بحاجة إلى دعم عربي ودولي يوازي مكانة مصر وأهميتها في هذه الحرب.
أما الأردن الذي فُجع وفجعنا معه بواقعة إعدام الطيار الشاب معاذ الكساسبة، فإنه رغم إمكاناته المتواضعة، ينبغي ألا يقف بمفرده في عين العاصفة، والجميع يعلم لماذا أعدم الكساسبة وبهذه الطريقة المرعبة.
إن الهدف الأساسي من ذلك هو توجيه رسالة تخويف وتحريض للنسيج الاجتماعي الأردني، رسالة يرى قتلة الكساسبة أنها بمثابة صب زيت على نار مختبئة في أماكن متفرقة من البلاد، وعمل كهذا قد يكون اختبارا جديا للجبهة الداخلية الأردنية التي هي أساس وجود الأردن وحياته، وليس غير التحصين الذاتي والتماسك المجتمعي والإسراع في معالجة كل الأمراض التي ينبثق منها أو يتسلل منها الإرهاب ما يحمي هذا البلد النوعي الهام وما يحصن مجتمعه الذي صمد أمام كل التحديات وما أكبرها وأخطرها.
إن مواجهة الإرهاب، وخصوصا فيمن يقفون الآن في عين العاصفة، وهي كل المجتمعات العربية التي لم تتمزق ولم تنهر دولها ونظمها، ينبغي أن تكون قاعدته الأولى والمركزية هي تحصين الذات، وتخصيص أقصى ما يمكن توفيره لمشاريع التنمية المستدامة في كل المجالات وأولها التعليمية والثقافية.
إن الوقت لم يفُت بعد، والحاجة إلى هذا التوجه تزداد إلحاحا حتى يمكن القول إنها الجدار الأخير، ولكنه الآمَنُ والأصلب لحماية الوجود ودرء الأخطار، فهل نرى بعد هذا الذي حدث، خصوصا في مصر والأردن، تغييرا في قواعد المواجهة؟