الرياح التي تهب من واشنطن قبيل الزيارة الرئاسية، الأسبوع القادم، لا تُبشّر بالخير. فقد بدأ هذا بالادعاء السخيف من الرئيس لنيل الكأس المقدس للصفقات، وتواصل باقتباسات غير متعاطفة عن مستشاري ترامب، وصل الى مشادة حول السفارة في القدس، والآن حتى «المبكى» هو أرض محتلة. لشدة الاسف، يحتمل ان يكون التسريب الى «فوكس نيوز» عن ان نتنياهو غير معني بنقل السفارة الى القدس صحيحاً بالتأكيد. ولكن من الواضح أن أحدا ما في البيت الابيض يحاول أن يشق من خلاله الأرضية للتنكر لأحد الوعود الانتخابية الاكثر دراماتيكية لترامب – نقل السفارة. والدم الفاسد الذي يرافق الزيارة المرتقبة منذ الان – التسريبات من جهة، نشر المحاضر من جهة اخرى – يجسّد كم أخطأ نتنياهو في موقفه من الادارة الجديدة منذ أن تسلمت مهامها.
يحب نتنياهو أن يروي لضيوفه كيف أن براك اوباما، منذ لقائهما الاول في الغرفة البيضوية، قال له إنه محظور على اسرائيل ان تبني «ولو طوبة واحدة». وبالفعل كان اوباما عدواً، تبنى نتنياهو في مواجهته سياسة مغلوطة بحد ذاتها، أساسها الخندقة ومحاولة إلقاء الذنب على الطرف الآخر.
غير أنه حتى عندما يدخل إلى البيت الأبيض رئيس مع توجه وادارة عاطفة، لم يغير نتنياهو النهج. الدفاع، الخوف من القول والتنفيذ لسياسة ناخبيه، واصل توجيه نتنياهو ويحقق نتائج هدامة.
لم يتغير ترامب، فهو تاجر يفهم جيداً في التجارة والضريبة، ولكن لا فكرة لديه في شؤون الشرق الأوسط.
لشدة الأسف، توجهه شخصيته ليفعل النقيض مما ينبغي. فبدلاً من التعرف على أننا لا نوجد في ساحة الصفقات، وان ليس كل شيء بيعا وشراء بين رجال اعمال، فانه يطلق شعارات عابثة تخبط به وبنا، حين يتبين (مرة اخرى) كم هي عقيمة. وعليه، فمع كل ما ينطوي عليه ذلك من عدم ارتياح، كان نتنياهو ملزماً بان يضعه، بخصوصية عند خطأه.
إن الفكر الأساس لترامب ومستشاريه قريب من فكرنا. وعليه فمنذ تسلم الادارة الجديدة كان ينبغي لاسرائيل أن تعلن عن مواقفها بنقاء، وأن تبدأ بتطبيقها. ضمن أمور اخرى كان نتنياهو ملزماً بأن يتراجع عن خطاب بار إيلان وأن يتبنى تقرير ادموند ليفي، الذي يقول اننا لسنا احتلالا في «يهودا» و»السامرة» وتطبيق قواعد المساواة على مواطني اسرائيل الذين يسكنون هناك. ضمن امور اخرى، كان نتنياهو ملزما بان يعود ليبني، بعد سنوات عديدة يمنع فيها هو نفسه استمرار التنمية في القدس، وفي «يهودا» و»السامرة».
غير أنه بدلاً من ذلك يدير ما يسميه مؤيدوه المخطئون «سياسة حكيمة» هي عملياً طيّ كل الاعلام. وبدلا من ان يوضح رئيس الوزراء لواشنطن انه طالما تتصرف السلطة الفلسطينية كعدو، لا مكان للمحادثات والصفقات معها؛ فقد دفع ترامب لخوض مفاوضات إقليمية سنقف فيها امام ضغط دولي، عموم عربي وأميركي، بطلب التنازل للفلسطينيين.
ان اختيار «متسادا» كمنصة لخطاب رئاسي عظيم، يناسب الشخصية الملونة لرجل العقارات السابق، ولكن عندما نربطه بالتراجع المتوقع عن وعده في موضوع القدس وادعائه المنقطع عن الواقع بامكانية «عقد صفقة» ليس واضحا اذا كان يعتزم دعوتنا، من على قمة متسادا، ان ننتحر من أجل الصفقة المثلى التي يعدها لنا. الواضح هو ان حكومة اسرائيل ملزمة بأن تقوم بالتفافة حذوة حصان. يعد نتنياهو الان في الظلام بأنه فور زيارة ترامب سيحرر عوائق البناء، طوبى للمؤمنين. وفي كل الاحوال، فان رفاقه في الحزب والحكومة ملزمون بأن يوضحوا له بان ايام الرأفة قد انتهت، قبل ان يفوت الأوان.
عن «معاريف»