يفشل العرّافون، والمحلّلون، والمراقبون، والسياسيون المحترفون، في تحديد معالم الاستراتيجية الأميركية، التي يفترض أن يكون قد اقرها الرئيس دونالد ترامب، الذي تجاوز وجوده في البيت الأبيض الأربعة أشهر.
ثمة من يقول إن العادة جرت، بعد كل جولة انتخابات رئاسية في الولايات المتحدة، أن السياسة العامة للعهد الجديد، تتبلور مع نهاية الأشهر الستة الأولى من دخول الرئيس الجديد للبيت الأبيض. غير أن الأمور لا تظهر على هذا الشكل بالنسبة لإدارة الرئيس ترامب، فلقد حفلت الأشهر الماضية، التي تتواصل مع رحلة الحملات الانتخابية قبل انتخابه، حفلت بجملة واسعة من التصريحات والوعود، التي تتسم بطابع شعبوي، وتناقض صارخ، بحيث تربك هذه التصريحات أي متابع لسياسته وتوجهاته.
ربما كانت إسرائيل، بما أنها الأكثر قرباً من المؤسسة الأميركية هي الأقدر على قراءة التوجهات السياسية للرئيس. لكونها تحظى بنفوذ واسع يصل حد الشراكة المباشرة، أو من خلال النفوذ اليهودي، فضلاً عن أن الموظفين الذين عينهم ترامب للعمل في الموضوع الإسرائيلي هم خريجو «ييشيفوت»، أي معاهد دينية يهودية، وفق ما نقله مسؤول إسرائيلي كبير عن السفير الأميركي الجديد في إسرائيل ديفيد فريدمان.
غير أن إسرائيل هي الأشد ارتباكا وقلقا، من الذين يفترض أنهم القلقون، ونقصد الفلسطينيين والعرب عموماً، نظراً لأن السياسة الأميركية بعامة، معروفة بانحيازها الكامل لإسرائيل، ولأن ترامب لن يخرج عن التقاليد والثوابت العامة المعروفة تاريخياً عن السياسات الأميركية.
تتناقض التصريحات بشأن الموقف المحتمل من نقل السفارة الأميركية إلى القدس بما يعني اعتراف الولايات المتحدة بكون المدينة العاصمة الموحدة والأبدية، لإسرائيل كما تدّعي، وتأمل.
بدا القرار وكأنه جاهز بمجرد دخول الرئيس الأميركي إلى البيت الأبيض، لكن هذا لم يتم، وثمة من يقول من الأوساط الأميركية إن الرئيس ينوي الإعلان عن ذلك خلال زيارته لإسرائيل، وعلى العكس من ذلك، يرى آخرون، أن الرئيس قد بدا أكثر حذراً، إزاء مثل هذا القرار الخطير، بسبب تداعياته على سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط وعلاقاتها مع العرب.
لتأكيد هذا الحذر الذي تشجعه الخارجية الأميركية، قيل إن فريدمان، وهو يهودي، ومتحمس للاستيطان، قد بدأ يبحث عن مقر إقامته في هرتسيليا في ضواحي تل أبيب.
الرئيس ترامب، سيزور حائط البراق، ما جعل مستشار الأمن القومي لدى إدارة ترامب، هربرت مكماستر، يتهرب من السؤال حول صحة الموقف الذي يشير إلى أن ترامب يعتبره جزءاً من السيادة الفلسطينية. وكذلك فعل المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر الذي قال إن هذا الأمر سوف يطرح للنقاش خلال زيارة الرئيس لإسرائيل والسلطة الفلسطينية.
إسرائيل قلقة، من أن يطرح الرئيس ترامب خلال زيارته مبادرة سياسية تتصل بإحياء المفاوضات والعملية السلمية، وتحضر نفسها لمرحلة من التوتر الصعب مع إدارة ترامب، إذ تفكر باللجوء إلى الكونغرس، كما فعلت خلال مرحلة الرئيس السابق باراك اوباما ما أدى بالسفير الأميركي اليهودي لأن يحذر خلال لقائه بالرئيس الإسرائيلي من الاصطدام مع ترامب.
لا ضرورة للمرور على كل التصريحات المتناقضة التي صدرت عن الرئيس ترامب أو مساعديه بشأن الاستيطان، ورؤية الدولتين، وحق تقرير المصير ولكننا نحذر من أن يعتقد البعض أن هذه السياسة الحذرة، قد تنطوي على تغيير جذري في السياسة الأميركية في اتجاه تبني الحقوق الفلسطينية وتعريض التحالف الاستراتيجي الأميركي الإسرائيلي للخطر أو الاهتزاز.
واضح أن لدى الرئيس ترامب قناعة بأنه يملك القدرة على النجاح فيما فشل في تحقيقه من سبقوه من الرؤساء، وأن المسألة أقرب إلى توفير عناصر صفقة مقبولة من كافة الأطراف، وهو رجل الأعمال الناجح في مجال إبرام الصفقات العقارية والتجارية.
إبرام مثل هذه الصفقة موضوعياً، يعني أن الإسرائيليين لا يمكنهم أن يحصلوا على كل شيء مثلما يريدون ويخططون، وأن الفلسطينيين أيضاً لا يمكنهم أن يحصلوا على كل ما يتطلعون إليه. هذا يعني بداية أن يكون لدى ترامب ما يقدمه سواء من قبل الولايات المتحدة، أو من جيوب العرب، بالقدر الذي يرضي إسرائيل، حتى تشعر بأن الصفقة مربحة، وأن يكون لديه ما يرضي الفلسطينيين والعرب.
المشكلة هي أن إسرائيل التي تمضي في مخططاتها لتبديد ومصادرة كل الحقوق الفلسطينية لا تشعر بأنها بحاجة لتقديم أي مقابل للفلسطينيين والعرب، وان حاجة العرب إليها في صراعاتهم، وحسب أولوياتهم، ستدفعهم آجلاً أم عاجلاً للارتماء في أحضانها بدون أن تتجشم تكاليف ذلك.
العنوان العام للصفقة التي يتحدث عنها، وربما يسعى إليها الرئيس دونالد ترامب، تقوم على تطبيع عربي إسلامي، يتخذ طابعاً متدرجاً، مقابل دولة فلسطينية بمواصفات غير فلسطينية تنجم عن مفاوضات تستغرق وقتاً، قد يمنح إسرائيل فرصة استثماره في جني الثمار من دون أن تدفع الثمن.
وكالعادة، تستبق إسرائيل، موعد زيارة الرئيس الأميركي في الثاني والعشرين من هذا الشهر، بإعلانات عن خطط استيطانية، كرسالة عناد متواصلة مع السياسة ذاتها التي اعتمدتها خلال المراحل السابقة، كلما زارها مسؤول كبير من الإدارة الأميركية.
في الرياض، ينتظر الرئيس الأميركي أن يحصل على المكافأة، حيث سيكون في حضرته عدد كبير من الزعماء العرب، وزعماء من دول إسلامية، والحديث يدور عن حلف إسلامي سني، ليس دفاعياً، يتواصل مع حلف الناتو، الأمر الذي يذكرنا بحلف بغداد، في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
قد يعتقد البعض أن اختيار ترامب، للرياض، كمحطة أولى لزيارته للمنطقة وليس لإسرائيل، على أنه يقع في اطار التفضيل، لكن الأمر ليس على هذا النحو، إذ إنه يرمز الى أن الرئيس الأميركي، يرغب في أن يفحص أولاً العرض الذي سيقدمه العرب والمسلمون، في إطار الصفقة الموعودة، حتى تكون الأمور أكثر وضوحاً على طاولة البحث مع الإسرائيليين.
في كل الحالات فإن الأشهر القادمة، تنطوي على قدر عال من المغامرة ذلك أن لا أحد يمكن أن يثق، بالسياسة الأميركية، ولا بالوعود التي يمكن أن تقدمها وهي الضامن الأساس، الدائم والأكيد للسياسة الإسرائيلية.