الجولة الخارجية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعكس ملامح توجهات السياسة الخارجية الأمريكية خلال فترة ولايته، تتضمن جولته الخارجية لثلاثة دول تجمع الأديان الثلاثة، السعودية كممثل عن الإسلام، وإسرائيل كممثل عن اليهودية، والفاتيكان كممثل عن المسيحية. ثم ينتقل ترامب للقاء دول الناتو، ويختم زيارته للقاء مجموعة الدول السبعة، والتي كانت قبل عدة سنوات مجموعة الدول الثمانية إلا أنه تم طرد روسيا من هذه المجموعة على خلفية حسم جزيرة القرم لصالح روسيا.
سيزور ترامب المملكة العربية السعودية يوم 21/5/2017م وسيعقد ثلاث قمم الأولى تجمعه بالعاهل السعودي الملك سلمان، والثانية تجمعه بدول مجلس التعاون الخليجي، والثالثة وهي الأهم تجمعه بــ 56 دولة إسلامية، بمعنى سيلتقي بمنظمة العالم الإسلامي والتي تعداد دولها 57 دولة، وهنا نجد أن الدولة الغائبة عن القمة هي إيران، التي تشهد اليوم الجمعة انتخاباتها الرئاسية، وقد يكون هناك ثمة رابط بين توقيت الزيارة وبين الانتخابات الإيرانية.
فما الذي يريده ترامب من المنطقة (دوافع الزيارة)...؟ وما هو مستقبل الشرق الأوسط في ضوء تلك الزيارة..؟
أولاً: دوافع زيارة ترامب للمنطقة.
لا شك أن مكانة الولايات المتحدة في زمن الرئيس باراك أوباما على مستوى القيادة والزعامة للنظام العالمي تراجعت، وربما ساهمت شخصية ترامب كرجل أعمال ناجح ورجل الصفقات في دفع المواطن الأمريكي للتصويت له، وهو ما حصل، فنجح ترامب واستلم في 20/1/2017م الحكم، حتى ظهرت ملامح ضعف الرجل وقلة خبرته السياسية وتحديداً السياسة الخارجية، حيث يسجل للرجل عديد المواقف المتناقضة في ملفات المنطقة منها:
1. حديثه المتكرر للعرب بضرورة أن يدفعوا الأموال مقابل حمايتهم، بينما التعاطي مختلف مع إسرائيل فيكرر طلبه ودعوته بأن يتم دعم إسرائيل.
2. قال ترامب أنه يدعم بقاء بشار الأسد، وبعد ذلك قال أنه يدعم المعارضة السورية.
3. اتهم السعودية بأنها تدعم تنظيم الدولة (داعش)، ثم قال: أنا والسعودية سنحارب (داعش).
4. بدأ حديثه بأنه سيحارب الإسلام، ثم بدأ يظهر وكأنه متسامح مع الإسلام واليهودية والمسيحية.
بعد أربعة شهور من توليه مقاليد الحكم وحجم التحديات الداخلية التي يواجها ترامب وتحديداً تداعيات إقالة جيمس كومي مدير إلـ (إف بي أي) يعمل الرئيس الأمريكي ترامب على تجسيد الزعامة الأمريكية على النظام العالمي عبر زيارته لثلاث دول تمثل الديانات الثلاث الاسلام (السعودية) - اليهودية (إسرائيل) - المسيحية (الفاتيكان)، بما يعكس أهمية صراع الدين والدولة بالنسبة لترامب.
وبذلك نستطيع حصر أهم دوافع الزيارة فيما يلي:
1. تقليم أظافر إيران وحلفائها بالمنطقة
2. تجسيد الزعامة الأمريكية على المنطقة.
3. تمرير صفقة القرن وأهم ملامحها المحتملة:
· التطبيع العربي مع إسرائيل.
· دفع إيران للقبول بوقف برنامجها النووي، وضرورة الانتقال من الثورة الإسلامية للدولة المدنية، والتوقف عن دعم الإرهاب. وما يدعم ذلك توقيع ترامب وولي عهد ابو ظبي محمد بن زايد اتفاقية الدفاع المشترك قبل أسابيع، والتي تسمح لواشنطن بإرسال مزيد من القوات والعتاد إلى الإمارات.
· تمرير صيغة لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، ومن مؤشرات ذلك الخريطة التي نشرها البيت الأبيض لزيارة ترامب للمنطقة والتي تضع خارطة إسرائيل بدون الجولان المحتل ولا أراضي 1967م. ولكن هناك مؤشرات تضعف هذا السيناريو أهمها ما كشفته وول ستريت جورنال بوجود مبادرة تقضي تطبيع دول الخليج علاقاتها مع إسرائيل مقابل تجميد جزئي للاستيطان.
4. الحد من النفوذ الروسي والصيني بالمنطقة.
ثانياً: مستقبل الشرق الأوسط في ضوء تلك الزيارة.
لا شك أن للزيارة أهمية كبرى في تحديد خارطة الشرق الأوسط وطبيعة المحاور والأحلاف، وقد تؤسس الزيارة لتوجهات إقليمية ودولية جديدة في محاربة الإرهاب، وقد يتم العمل على حسم بعض الملفات منها: محاربة الإرهاب وصناعة تحالف دولي لمواجهته - حسم التدخل الإيراني في ملفات المنطقة العربية ووقف برنامجها النووي- الملف السوري – اليمن – والبحث في صياغات لحل القضية الفلسطينية.
وتبقى طموحات ترامب مفتوحة ضمن منطق رجل الصفقات، ولكنه قد يصطدم بالواقع المعقد بالمنطقة، وإلى حين ذلك تبقى الزيارة مرتبطة بطبيعة الموقف العربي وقدرته على الضغط على ترامب المأزوم داخلياً، وأيضاً مرتبط بطبيعة التطورات في الداخل الأمريكي وهي من الممكن أن تتطور الأمور للوصول بترامب إلى العزل السياسي كما حصل مع الرئيس الأسبق نيكسون بعد فضيحة ووتر غيت.