بحجم الآمال التي يعقدها الزعماء العرب على الرئيس الأميركي الإشكالي دونالد ترامب جاءت الحفاوة، والمكافأة.
ثلاث قمم سعودية وخليجية وعربية وإسلامية، طافحة بالتوقعات والاستعدادات، للتعاون إلى أبعد مدى مع الولايات المتحدة، لتغيير وجه المنطقة، من خلال تغيير موازين القوى، وتغيير آليات التعامل مع الأولويات والأزمات والملفات التي تفاقم أمرها، وباتت تهدد استقرار ووحدة ما ومن تبقى من الدول الوطنية والأنظمة.
السعودية التي باتت تطمح في أن تكون قائدة ومركز القرار العربي والإسلامي، تبدي استعداداً متزايداً لدفع ثمن هذا الموقع، وعلى شاكلة من يريد أن يصبح جمّالاً عليه أن يعلي باب بيته، أظهرت سخاء يدير رأس أي زعيم دولي، يطمع في تحقيق إنجازات كبرى لبلاده.
نحو خمسمائة مليار دولار حجم الصفقات والشراكات التي أبرمها الوفد الأميركي مع نظيره السعودي، عاجلها مئة وعشرة مليارات من الدولارات، في مجال التسليح وآجلها ثلاثمائة وخمسون مليارا، خلال عشر سنوات.
صفقة تزيد على موازنات عدد من دول المنطقة، بما في ذلك النفطية، يسيل لها لعاب دول وشركات تسعى وراء الربح، فإذا كانت السياسة لا تخدم مثل هذه الوجهة، فأية سياسة هذه التي ستكون مقبولة لدى صناع القرار في الدول الرأسمالية التي يحكمها ويتحكم فيها أصحاب رؤوس الأموال؟
وإذا كان هذا ما حققه ترامب خلال اليوم الأول لزيارته للرياض، فما الذي سيحققه أيضاً من قبل الشركاء الخليجيين الذي يشاركون السعودية همومها ومخاوفها، ويشاركونها الاستعداد للذهاب إلى أبعد مدى دفاعاً عن النظام السياسي القائم، ووحدة الدولة الوطنية التي تتعرض للتبديد والتفتيت؟
صحيح أن العنوان الرئيس لهذه الشراكة العميقة، عالية التكاليف، هو الإرهاب والإرهاب له عنوانان، داعش وأخواتها، وإيران الشيعية وأخواتها، ومربعات النفوذ التي استحوذت عليها.
إذاً هو تحالف مديد، وربما يؤدي ذلك إلى تغيير الاستراتيجية، نحو أن تصبح مبادرة هجومية، من واقع القناعة أن الدفاع لم يعد الوسيلة الأفضل لتحقيق الأهداف.
في هذه المعادلة، من غير المتوقع أن تعود الولايات المتحدة للقيام بدور الشرطي ودفع الثمن وحدها، وهو أمر يدركه العرب والمسلمون، فلقد ولّى زمن الارتكان على الولايات المتحدة أو سواها لتحقيق الأمن والاستقرار.
الدول العربية والإسلامية عليها أن تخوض المعركة بنفسها، وأن تغطي تكاليفها بنفسها وأن تكتفي من الولايات المتحدة، بالدعم والحماية العامة، التي قد تتطلب تدخلاً عسكرياً وأمنياً مباشراً بين الحين والآخر.
الآن تستطيع الدول العربية والإسلامية، من واقع استعدادها لدفع هذه الأثمان، أن تقايض الولايات المتحدة، على واحدٍ من أهم وأخطر الملفات التاريخية وهو الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي.
الآن تستطيع الدول العربية والإسلامية تقديم مفاضلة بين المكاسب التي يمكن أن تحققها الولايات المتحدة، من خلال تعاونها الوثيق مع العرب وبين المكاسب التي يمكن أن تحققها من خلال الانحياز الكامل والتاريخي لإسرائيل.
إذا أحسن العرب والمسلمون التصرف، والعمل بلغة المصالح فإنهم يستطيعون أن يفرضوا على الولايات المتحدة وغيرها تغيير نظرتهم للعرب، وتغيير سياساتهم ومواقفهم تجاه كيفية التعاطي مع الحقوق العربية.
يحتاج الأمر إلى إدارة سياسية عربية جماعية، لكي لا يقع العرب في الفخ، بمعنى أنهم يدفعون تكاليف باهظة، ولا يحصلون على مقابل.
معروف أن الولايات المتحدة ربما تمارس سياسة الابتزاز، وحلب المزيد من الأثمان دون أن تعطي العرب ما يوازي هذه الأثمان.
وحتى الآن لا يتوفر الاطمئنان لسياسة الإدارة الأميركية الجديدة، إزاء ملف التسوية، ولا يتوفر الاطمئنان في الأساس، لاستمرار الرئيس ترامب على رأس البيت الأبيض. ثمة من يتربص للرئيس الأميركي، لاستغلال بعض أخطائه، من أجل عزله، وأهم هؤلاء من رفاقه في الحزب الجمهوري، ما يوفر لإسرائيل وأدواتها النافذة في السياسة الأميركية لأن تلعب في الخفاء والعلن إذا حاول ترامب أن يستفزها بمبادرات لا تخدم سياستها ومصالحها.
لا تأبه إسرائيل كثيراً أو قليلاً، لمصالح الولايات المتحدة، إن كانت تتعارض مع مصالحها وسياساتها، ومن غير المستبعد على العقل الصهيوني المتطرف أن يلجأ لاستخدام أساليب خاصة للتخلص من الرئيس الأميركي بإزاحته عن موقعه أو بإزاحته من الحياة.
إسرائيل قلقة جداً، من تصريحات ترامب المتبدلة، ومن تعاطفه مع الفلسطينيين، رغم أن هذا التعاطف لا يصل إلى مستوى تبديل السياسة الأميركية تجاه حقوق الفلسطينيين.
ونظن أن إسرائيل قلقة أيضاً من حجم النجاح الذي يحققه ترامب من خلال زيارته للسعودية، وما تحصل عليه من صفقات ووعود واستعدادات.
الخلاف بين أطراف الحكم اليميني المتطرف في إسرائيل بات علنياً وواضحاً، ولكن يخطئ من يتعمّد تضخيم أبعاد هذا الخلاف، أو الخلاف بين الإدارتين الإسرائيلية والأميركية ففي النهاية كانت إسرائيل تربح حين تخوض خلافاً مع إدارة أميركية وآخرها إدارة أوباما.
ما يظهر على السطح حتى الآن هو أن إسرائيل لا توافق على العودة إلى مفاوضات بشروط مسبقة، أو بمرجعيات محددة، أو حتى بمشاركة أميركية مباشرة، وفي الجوهر لا توافق إسرائيل على أي حل يقوم على رؤية الدولتين، وتقسيم القدس ناهيك عن رفضها من الاساس لحق العودة.
إسرائيل في تقييمها لمجريات الأحداث في المنطقة تعتقد أن العرب مضطرون للاستعانة بها والتعاون معها في مواجهة ما تعتبره الخطر الإيراني، وبأنها غير مضطرة لأن تدفع ثمن ذلك على حساب رؤيتها التوراتية والتوسعية في الأراضي المحتلة منذ العام 1967.
في كل الأحوال يترتب على العرب أن يفعلوا ما ينبغي عليهم القيام به، لإرغام إسرائيل على التسليم بكل الحقوق الفلسطينية والعربية.