انتهت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمنطقة بعد أن زار إسرائيل وفلسطين، ولم يطرح أي مواقف جديدة عدا عن التزامه واستعداده للعمل مع الرئيس أبو مازن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أجل تحقيق سلام شامل في المنطقة. ولم يذكر في هذا السياق أي كلمة عن مرجعية العملية السياسية القادمة وما هو هدفها أي حل الدولتين. وربما تكون زيارته للملكة العربية السعودية أكثر أهمية من زيارته لكل من إسرائيل وفلسطين. والأخيرة ربما كانت رمزية لتأكيد الالتزام بالوعود التي قطعها بتحقيق الصفقة التاريخية التي تفضي إلى السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
بدون أدنى شك كانت زيارة ترامب للسعودية ناجحة جداً وربما أكثر مما توقع، ليس فقط بحصوله على هدايا ثمينة جداً هي الأغلى التي يحصل عليها أي زائر للمملكة منذ تأسيسها، بل والأهم كانت بتوقيع عقود شراء السلاح في إطار صفقة القرن المقدرة بأربعمائة وستين مليار دولار تدفع فوراً ما قيمته 110 مليارات فوراً والباقي على عشر سنوات، والوعود باستثمارات ضخمة في الولايات المتحدة تصل إلى 500 مليار دولار، وهذه الأموال التي ستضخ في أميركا ستساعده في تحسين الاقتصاد الأميركي وتقليص البطالة وتخفيض حجم الديون. كما أن الاتفاق على مواجهة إيران وما يسمى الإرهاب الدولي . ولعل اللافت هنا هو تصنيف الرئيس ترامب لحركة «حماس» كإحدى المنظمات الإرهابية بالإضافة إلى «حزب الله» و»داعش» و»القاعدة».
إنه يوم أسود لـ «حماس» أو توضع على قائمة الإرهاب في قمة عربية – إسلامية – أميركية دون اعتراض من أي طرف عربي أو غير عربي. حتى الموقف القطري الذي ينتقد اعتبار «حماس» إرهابية كان ضعيفاً وخجولاً ومن باب تبرئة العتب، وفي الواقع قطر نفسها متهمة بدعم الإرهاب، والكونغرس الأميركي يرصد تمويل قطر لمنظمات إرهابية، وهناك تقارير أميركية عديدة تشير إلى تورط قطر مباشرة في دعم منظمات إرهابية. بمعنى أن الدول العربية والإسلامية بما فيها قطر وتركيا سلمت بموقف الإدارة الأميركية الذي يضع «حماس» على قائمة الإرهاب، وبالمناسبة هذا ليس موقفاً أميركياً جديداً بل هو موقف اتخذ في عهد الإدارات السابقة، وهي مصنفة كذلك لدى الاتحاد الأوروبي وكندا.
وإذا أضفنا التوصيف الأميركي إلى تنبؤات السفير القطري محمد العمادي الذي بشر غزة بأيام أسوأ من التي تعيشها الآن. وإلى صمت تركيا وهما حليفتا «حماس» الرئيستان، فالوضع ينذر بشر قادم على «حماس» وعلى قطاع غزة الذي يخضع لسلطتها.
ليس منطقياً بأي حال إدراج اسم «حماس» على قائمة الإرهاب، فهي حركة فلسطينية تقاتل في إطار شعب يخضع للاحتلال حتى لو قامت بأعمال ترفضها المنظمات الدولية وعدد من الدول وخاصة استهداف المدنيين. وهي ليست مثل «القاعدة» أو «داعش» اللتين تقاتلان لأجل أهداف لا تمت للإنسانية بصلة ولا تعبر عن تطلعات أو حقوق وطنية لأي شعب على وجه الكرة الأرضية، وهذا ينطبق على «حزب الله» الذي يرفض الاتحاد الأوروبي وضعه على قائمة الإرهاب. ولكن ما حدث ويحدث يجب أن يضيء النور الأحمر لدى «حماس» فالزمن يتبدل في غير صالحها ولا ينفعها أن يرفض الناطقون باسمها هذا التوصيف أو التصنيف الذي وضعت في إطاره.
إذا أرادت «حماس» أن تنجو وأن تحصل على الشرعية ليس أمامها من طريق سوى مؤسسة الشعب الفلسطيني الأهم والمظلة الحامية لكل الأطر وهي منظمة التحرير الفلسطينية، ويجب على العقلاء في «حماس» أن يسارعوا وبشكل فوري لدراسة الوضع الراهن وكيفية الانضمام سريعاً للمنظمة والتفكير الجدي بانهاء الانقسام والعودة إلى حضن الشرعية التي تحميها وتضعها في الإطار المقبول دولياً، ولا تنفع المكابرة وتجاهل الحقائق، فكل الحلفاء الآن يحاولون كسب ود ترامب والمضي على دربه الذي لا يميز بين منظمة وأخرى من منظمات الإسلام السياسي الأصولية باستثناء ربما حركة النهضة في تونس التي استطاعت أن تتكيف مع الإطار الوطني التونسي وتدخل في النظام السياسي كأحد مركباته وليس بديلاً له.
وما حصل عليه الرئيسان عبد الفتاح السياسي الذي يحارب حركة الإخوان المسلمين والجهات المتطرفة الأخرى المعلومة من قبلها، والرئيس محمود عباس الذي يواجه في هذه الأيام «حماس» ويحاول دفعها للمصالحة، من دعم أميركي وعربي وإسلامي يجب أن يقلق «حماس» جداً، فمحاولاتها الحصول على القبول والشرعية عبر وثيقتها الجديدة المهمة ولكن المتأخرة والمتلعثمة باءت بالفشل لأن العالم يتغير بسرعة كبيرة من حولنا وما هو مطلوب للقبول أكثر بكثير من المطروح.
على «حماس» أن تبحث عن الحاضنة الصحيحة وتستجيب لصوت العقل والمنطق والصوت الوطني الفلسطيني الذي يقول إن الانقسام هو أكبر خطر على المشروع الوطني وهو خطر عليها كما هو على الكل الوطني. وليس مطلوباً منها أن تغير موقفها ولكن أن تكون في إطار مقبول ومعترف به دولياً وقبل كل شيء وطنياً وعربياً. وأي محاولة للهروب نحو الانجرار لمعارك في غير وقتها ستكون نتائجها كارثية على «حماس» وعلى الشعب الفلسطيني، فهل تقرأ «حماس» التطورات وتستنتج ما هو مطلوب للبقاء والتكيف ؟؟
الشيقل وبورصة تل أبيب يواصلان الخسائر بعد خفض تصنيف إسرائيل
03 أكتوبر 2024